تعويم الريال اليمني ... الرابحون والخاسرون

■ يعتبر صدور قرار تعويم الريال اليمني من أخطر القرارات الاقتصادية على الاطلاق، حيث شمل تأثيره السلبي الخطير الاقتصاد والسكان عموما، فقد أحدث إرباك في عمليات الإنتاج والتصدير والاستيراد بسبب اعتماد اقتصاد اليمن على الخارج بشكل كبير حيث حول القرار حياة السكان وبالذات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا الى جحيم.

صدور القرار:
فقد أصدر البنك المركزي قرار التعويم في تاريخ 15 أغسطس عام 2017م وذلك من قبل المحافظ الأسبق للبنك منصر القعيطي وقد صدر القرار في وقت تشهد فيه البلاد حرب شديدة وتشهد السوق المصرفية شحة في الدولار الأمريكي واختفائه من التعامل في البنوك وشركات الصرافة.
ان قرار البنك المركزي اليمني بتحرير سعر صرف الريال اليمني يعني ترك تحرير سعر صرف الريال يتحدد وفقا لآليات العرض والطلب في سوق الصرف حيث أعلن البنك عن ان سياسة الصرف ستقوم على التعويم الكامل وان الدولة والبنك المركزي لن تتدخل في تحديده.
وبناء عليه اعلن محافظ البنك المركزي الأسبق منصر القعيطي الغاء التعامل بسعر الصرف الرسمي عند اعلان القرار وهو 250 ريال يمني لكل دولار امريكي وكنتيجة أأي بزيادة في سعر صرف الدولار قدرها 120 ريال يمني ليصل في نهاية عام 2021م الى 1750 ريال مقابل الدولار.

أهداف تعويم الريال:
هذا وقد برر البنك المركزي قرار التعويم بانه "سيساهم في جذب المنح وغيرها من موارد النقد الأجنبي المتأتية من الخارج خاصة برامج المنح التي سيطلقها البنك الدولي والمانحين الاخرين قريبا مثل برنامج التحويلات النقدية الخاص بصندوق الرعاية الاجتماعية ومحفظة دعم الواردات السلعية وجهود الإغاثة الإنسانية ودعم بعض المشروعات في مجال خدمات التعليم والصحة".


يمكن القول ان قرار تعويم العملة كأسلوب في إدارة السياسة النقدية هو اختيار سياسي حكومي بالدرجة الأولى ولكنه كان متوافق مع توجيهات صندوق النقد الدولي.
وتلجأ الدول عاده لتعويم عملاتها الوطنية من اجل إعادة التوازن الى موازينها التجارية او للتخفيف من حدة العجز فيها ورفع تنافسية الاقتصاد المحلي والولوج الى أسواق جديدة وتنويع شركاء البلد الخارجيين كما يهدف التعويم للحد من عجز الموازنة العامة للدولة وغيرها من الأهداف الاقتصادية وعموما تستخدم السياسة النقدية التعويم لتحقيق غايات نقدية ومالية وتجارية مستهدفة تعزيز الاقتصاد وحفز عوامل للاستقرار والنمو.

الرابحون والخاسرون:
ان الكلام حول الأثار الإيجابية والسلبية الناتجة عن تعويم الريال يقودنا بالضرورة إلى الحديث حول الرابحين والخاسرين من سياسة التعويم.

الرابحون:
المصدرون حيث ستصبح قيمة الصادرات اقل سعرا وأكثر تنافسية.
العاملون الذين يتقاضون رواتبهم بالعملات الاجنبية.
شركات الصرافة والتحويلات.
المؤسسات والافراد الحائزين ارصدة من العملات الاجنبية.
المضاربون بالعملة من غير العاملين المرخصين في سوق صرف العملات.
الاجانب المقيمين في اليمن سواء شركات او افراد.

الخاسرون:
العاملون الذين يتقاضون اجور ثابتة بالريال اليمني.
المستهلكون حيث سترتفع اسعار السلع المستوردة بالريال بنفس نسبة انخفاض سعر الصرف او أكثر مع ثبات الدخول وانخفاض قيمتها الشرائية.
متوسطي وصغار المدخرين الذين فاجأهم انخفاض سعر الصرف وسبب ضياع ما راكموه من مدخرات.
المودعين في البنوك بالريال اليمني الذين لم يتمكنوا من سحب أموالهم حيث سبب الانهيار السريع لسعر الصرف انخفاض مهول للقيمة الفعلية لمدخراتهم.
صغار التجار والحرفيين ومالكي المشاريع المتوسطة والصغيرة وغيرها من المشاريع والانشطة المدرة للدخل والتي توفر فرص عمل ودخل للأسر المعوزة.
الفقراء المتحصلون على مساعدة من شبكة الضمان الاجتماعي.
التحويلات المالية من مناطق سيطرة الحكومة الى مناطق سيطرة الحوثيين حيث يضطر اصحابها الى دفع رسوم تحويل غير قانونية وصلت الى أكثر من المبلغ المراد تحويله.
ان الخسائر والمكاسب تتوزع بنسب غير متساوية من فئة الى اخرى.

تقييم اولي لنظام تعويم الريال:
من خلال الاستعراض السابق يمكن اجراء تقييم اولي للتعويم من خلال الملاحظات التالية:
ان قرار التعويم قد صدر بعد حوالي عام من صدور قرار رئيس الجمهورية رقم ١١٩ الصادر في ١٨ سبتمبر ٢٠١٦م بنقل البنك المركزي الى عدن وفي ظروف غير مواتية وذلك بتأثير عدد من العوامل اهمها الحرب الدائرة منذ سنين وشحه العملات الاجنبية في السوق وعدم إمكانية البنك المركزي توفير العملات الاجنبية اللازمة لاستيراد السلع.


قصر تطبيق نظام تعويم الريال على مناطق محدودة من البلاد والتي تشكل حوالي اقل من ثلث اقتصاد وسوق البلاد مما تسبب في عدم امكانية الاستفادة الممكنة من التعويم وتسبب في تكلفة عالية الوطأة من الآثار السلبية على اقتصاد وسكان تلك المناطق.


غياب إمكانية الاستفادة من مميزات تطبيق نظام التعويم في اقتصاد البلاد وحضور قوي للأثار السلبية مثل عدم امكانية رفع القدرة التنافسية للمنتجات المحلية او تخفيض الاستيراد او احداث توازن ايجابي في الموازين الاقتصادية للبلاد.
لم يكن لسياسة التعويم اي مردودات ايجابية في تعزيز القدرة الإنتاجية للاقتصاد المنتج لأنه لم يطبق كأحد عناصر خطة متكاملة للنمو منفتح على الداخل والخارج.
كان لقراري نقل البنك المركزي الى عدن وقرار تعويم الريال آثار اقتصادية واجتماعية خطيره وغير مواتية وتحديدا انقسام البلد الى اقتصادين وسوقين يسود فيهما طبعات مختلفة من الريال وتعمل فيهما سياسات مالية ونقدية مختلفة بل ومتضادة وقد تجسد كل ذلك جليا في سيادة سعرين مختلفين لسعر صرف الريال مقابل العملات الاجنبية.
 

شكل قرار تعويم الريال صدمة اقتصادية واجتماعية عنيفة مفاجئة وغير مدروسة الآثار على اقتصاد مجزأ وهش وريعي حيث لا توجد بيئة مواتية للاستفادة من الايجابيات وتحجيم السلبيات في اقتصاد لا يدار على اساس اقتصاد السوق التنافسي الحر ولا يوجد فيه سوق مالية ونقدية تقوم بآلية تصحيح اي اختلالات.


تسببت القرارات الغير مدروسة في فترة الحرب والاضطرابات الى زيادة الفقراء ودخول البلاد في مشاكل ومآسي اجتماعية خطيرة قد تدخل اغلب السكان في مجاعة خطيرة للغاية.

الرأي:
ضرورة قيام مؤسسات الدولة بمراجعة عاجلة وجادة للقرارات الاقتصادية التي تسببت في مشاكل خطيرة لتعظيم الايجابيات وتقليل السلبيات مع مراعاة وبدرجة اساسية الوضع المعيشي للسكان وتخفيف معاناتهم.
                                      عدن يناير 2022

مقالات الكاتب