مشاريع شخصية متعثرة

لم تعد مفاجأة أن نسمع عن مشروع متعثر أو قطاع يعاني التأخير في تنفيذ مشاريعه، ولهذا تم استحداث مزيد من آليات الرقابة وتحسنت أدوات التخطيط بشكل غير معهود، كما رأينا في خطة التحول الوطني. لا يختلف الأمر كثيرا على الصعيد الشخصي. يتحول كثير من الأحلام والرغبات إلى خطط ومشاريع سرعان ما تتعثر وتفشل إلى أن نتجاهلها أو نجعلها من وجبات التندر اليومية، وربما ندعي عدم الاهتمام بها من الأساس. وسواء كانت هذه المشاريع الشخصية مشاريع حياتية كبرى أو مشاريع دراسية أو مالية أو وظيفية تختص بمرحلة معينة من مراحل حياتنا، إلا أن أسباب فشلها لا تختلف كثيرا عن أسباب فشل المشاريع الكبرى.

نستطيع تصنيف أسباب فشل المشاريع إلى مجموعتين من الأسباب، أسباب داخلية تختص بمدير المشروع وعناصر المشروع، وأسباب خارجية متعلقة ببيئة عمل المشروع وتوقيته والظروف التي ينشأ فيها. وقد تمتد الأسباب لتصل إلى ما هو أكثر اتساعا وتأصيلا مثل توافق المشروع فكريا وثقافيا مع ما يحيط به. على الرغم من أن معظمنا يفشل في إدارة مشاريعه لافتقاره إلى المعرفة المتخصصة المرتبطة بهذا المشروع، مثل القرارات المرتبطة باختيار التخصص أو تطبيق برنامج خاص للادخار أو وقت بناء المسكن، إلا أن معظم جوانب المشكلة مرتبط أساسا بافتقارنا إلى المهارات الشخصية المطلوبة لإدارة المشاريع. تمكن الفرد من هذه المهارات كفيل بحل عديد من الإشكالات الأخرى المرتبطة بتنفيذ المشاريع الشخصية وتحقيق الأهداف.

نستطيع التعامل مع هذه التعثرات بأكثر من طريقة، هناك من يحضر الدورات المتخصصة في إدارة المشاريع على أمل تحسين قدراته في العمل وفي حياته اليومية. وقد نستخدم أسلوب التفادي الذي نستعرض فيه قصص الفشل ونقرأ ما يكتب حول “أهم أسباب فشل المشاريع”. وقد نحاول إعادة تصميم الواقع بأسلوبنا ووجهة النظر الخاصة بنا اعتقادا بأننا نملك من الموضوعية والإدراك ما يكفي لتحسين النتائج. هذا في الحقيقة ما نقوم به عندما نعلق على تأخر تنفيذ المطار والجسر والبناية الشاهقة في مدينتنا. مناقشة المشاريع المتعثرة سلوك منطقي إلى حد ما، ومحاولة التحليل وإبداء الرأي حق للجميع، إلا أن الواقع في المشاريع الكبرى المرتبطة بعدد من الأشخاص أو بكامل المجتمع أكثر تعقيدا من ذلك. تعدد الموارد البشرية والمالية والمعرفية وتداخلها كفيل بهدم عديد من وجهات النظر، لكن الأمر المبشر أن هذا التعقيد لا ينطبق على المشاريع الشخصية بالدرجة نفسها.

تتسم المشاريع الشخصية بمحدودية الموارد ومحدودية الأهداف. وهذا ما يجعلها تحصل على فرصة أفضل للنجاح فهي بسيطة ومباشرة إلى تلك الدرجة التي تتكرر فيها مفاجأة الإنجاز ممن لم نتوقع منه الإنجاز، لكنها مع ذلك ترتبط بجوانب شخصية تتقد بها العزيمة أو تثبط بها الأحلام، مثل الثقة بالنفس والتصدي لمحاولات التقليل من طموحاتنا أو مواجهة ضغوط المجتمع. في نهاية الأمر، تظل مجموعة المهارات التي ينصح أن يمارسها مديرو المشاريع ملائمة للجميع، وبدون شك تشكل هذه المهارات أفضل استعداد لمواجهة تعثر المشاريع الشخصية.

قد نتمكن من جمع المهارات الشخصية المرتبطة في خمس قواعد رئيسية. القاعدة الأولى تنبثق من حافز المشروع الأهم؛ أي الحلم والرؤية وكل ما يرتبط بهما من أهداف تتوسع بفضل بقية المهارات إلى خطط وترتيبات واضحة قابلة للتنفيذ والتعديل وتكون متلائمة مع الواقع. القاعدة الثانية تنحصر في مهارات التواصل. تلك المجموعة من المهارات التي تمكننا أساسا من الحياة ثم من التطور في الحياة، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتخلص من العزلة ونطور من قدرتنا على الفهم والتأثير في الآخر – أشخاصا وأحداثا ــــ إلا بتطوير مهارات التواصل. القاعدة الثالثة ترتبط بقدرتنا على إدارة الذات والتنظيم الشخصي. إذ تحتم علينا طبيعة المشاريع وترابط وتداخل أجزائها المختلفة وجود قدرة كبيرة على إدارة النفس والعواطف إضافة إلى الماديات الأخرى التي تزخر بها حياتنا. أي اندماج مع الفوضى يعظم من مخاطر العشوائية والوقوع في مشكلات الكفاءة التي تدمر الفعالية وتقلل من قيمة الإنجاز.

تختص القاعدة الرابعة بإدارة المخاطر والتوقعات والقدرة على التنبؤ بشكل سليم. مهما تطورت الإمكانيات العلمية والمعرفية عند الفرد إلا أن الحدس يظل أحد أهم العناصر التي نبني عليها قراراتنا. بطبيعة الحال، عندما لا نثق بحدسنا لن يتمكن من مساعدتنا، مع الثقة والتجربة يتطور الحدس ويصبح أكثر كفاءة عند القيام بالدور المطلوب منه. تقوم القاعدة الخامسة والأخيرة على المرونة والتعلم وهي في الأساس ما يمكننا من الاستفادة من أدوات المراقبة وإمكانيات التعديل بلا تخريب أو تشويه. ترتبط القاعدة الخامسة بقدرتنا على جعل الإصلاح عملية مستمرة، وألا يقوم على أسلوب الهدم من أجل الإصلاح. كل التجارب مكتسبات يمكن استثمارها إذا ما اتسم العمل والقائم عليه منذ البداية بالمرونة العالية وتقبل التعلم. وهكذا، تمنح للجميع فرص إدارة مشاريعهم الشخصية باقتدار، هي تجارب ثرية منتجة تدعونا إلى الاستفادة الحقيقية والتعلم المباشر بدلا من أن نندمج في انتقاد ما عجزنا عن القيام به، وهو في أبسط أشكاله.
نقلا عن الاقتصادية

مقالات الكاتب