بناء الوعي السياسي لشباب الجامعات

 لأن شبابنا هم أغلى ما يملكه الوطن، ولأنهم من سيحملون راية المسؤولية في مقبل الأيام، ولأن حركة الشباب متغيرة، ومتطورة بطبيعة المرحلة السنية، التي تتميز بالقدرة السريعة على الالتقاط من كل الاتجاهات، باعتبارها فترة التكوين الفكري وبناء المدارك، وهي من أهم المراحل التي تتشكل فيها الشخصية الحقيقية للفرد، أضف إلى ذلك أن مرحلة الجامعة من المراحل، التي يبحث فيها الفرد عن الإجابة عن العديد من التساؤلات والقضايا الغامضة أو المشكلة بالنسبة له.

وأنه يحتاج من يمد له يد العيون بإلقاء الضوء كي يستطيع أن يرتب قناعاته، التي ستؤثر بلا شك على الكثير من قراراته، التي سيتخذها في مراحل تالية، فمن هنا جاءت أهمية منتدى بناء الوعي السياسي لطلاب الجامعات، الذي نظمته وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، بالتعاون مع جامعة الإمارات العربية المتحدة.

 

وحضور العديد من طلبة الجامعات في الدولة، في إطار ترسيخ أسس المشاركة السياسية في عملية صنع القرار الوطني، وفي إطار جهودها في تعزيز التنمية السياسية.

والوعي يعني الإدراك والفهم والحفظ، ويأتي منها الوعاء، الذي يحيط بما يحصنه ويحافظ عليه، كما أن الوعي السياسي يعني الرؤية الشاملة، بما تتضمنه من معارف سياسية وقيم واتجاهات سياسية، التي تتيح للإنسان أن يدرك أوضاع مجتمعه ومشكلاته، ويحللها ويحكم عليها، ويحدد موقفه منها، دون أن يتخبط أو يقع فريسة للدعايات المضادة أو الحرب النفسية أو الرسائل الإعلامية أو الشائعات، التي تستهدفه أو تنال منه أو تصيبه بحالة من الارتباك، وهو أخطر ما يصاب به الشباب، الذي هو عرضة لها، من قبل جهات ومصادر لتحقيق أهداف غير أمينة.

وإن كانت تصيغ ذلك في ثوب جاذب كمن يضع السم في العسل، في عالم أصبحت سيولة المعلومة فوق الطاقة، ومن الصعوبة بمكان متابعتها، والوقوف على فحواها الحقيقية إلا لدى أصحاب القدرات الثقافية وقادة الفكر.

وشباب الجامعة في الإمارات هم قوة الوطن وثروته المستدامة، التي يستثمرها الوطن، لذا فإنه من الأهمية بمكان أن يجد من يساعده في الوقوف على أرض ثابته برؤية رائقة.

كما أن الاهتمام ببناء الوعي السياسي يأتي في إطار التنمية المتوازنة، التي تحرص عليها الإمارات بجناحيها الاقتصادي والبشري، في إطار من الرؤية الشاملة لعوامل النهضة وفلسفتها، والبناء على ما أطلقه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، من برنامج للتمكين عام 2005، الذي اعتمده المجلس الأعلى للاتحاد كونها خطة عمل وطنية، أرست القواعد المنهجية لعملية تمكين، وتعزيز أدوار كل مكونات المجتمع في إطار من الخطوات المتدرجة، التي تنبني فيها كل مرحلة بناء على سابقتها، حتى تظل سفينة الوطن قوية مستقرة، تعرف اتجاهها ومحطة الوصول، وقادرة على مواجهة أعتى الأمواج.

فضلاً عن الدفع المستمر للشباب والثقة بقدراتهم من جانب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي جعلهم هدفاً غالباً وشريكاً فعلياً للعديد من مبادرات سموه.

وفي تقديري أن بناء الوعي السياسي يأتي من التواصل بين الشباب وبين مختلف المؤسسات المعنية بالدولة، وأن يكونوا، كما تحرص القيادة، مساهمين في صناعة القرارات التي تخصهم، وهو ما ينقلهم إلى مستوى أرفع من الإدراك، الذي يحملهم بالمسؤولية الاجتماعية، التي تهدف الحفاظ على مكتسبات الوطن، والمشاركة في منظومة العمل والتنمية.

وبناء الوعي يأتي كذلك عبر التوجيه والتوعية، سواء من الجهات الرسمية أو المؤسسات الأهلية، عبر إيجاد أليات للحوار المستمر، الذي يفتح آفاق للبيان، وتوحيد الرؤى، وهو الأمر العاصم من كل محاولات التشويش أو الإرباك.

وعلى الرغم من أن التوعية السياسية هي مهمة لمختلف المؤسسات الوطنية، بدءاً من المدرسة مروراً بالأسرة، التي يتلقى منها الفرد خبراته الأكثر تأثيراً في حياته، وليس انتهاء بالجامعات التي عليها دائماً أن توفر مناخاً من التواصل بين الشباب والمسؤولين، إلا أن وسائل الإعلام ينبغي عليها أن تكون الحاضر الأكبر في هذا الميدان، ليس عبر البرامج السياسية فحسب.

ولكن أن يكون تكوين الوعي في موقع القلب من المواد المقدمة، بدءاً من الوعي بالتاريخ وما بذله القادة المؤسسون، ووعي بالحاضر والتحديات، الذي تحيطه، ووعي بالمستقبل، وكيف يكون لهم دور في صناعته، وهو الشغل الشاغل لقيادتنا الرشيدة.

إن منتدى الوعي السياسي، الذي احتضنته جامعة الإمارات، مثل ورشة عمل وطنية، جمعت الأكاديميين والمفكرين والسياسيين وأصحاب الفكر وطلاب الجامعات، ومنها جامعة عجمان، التي حرصت أن تكون بطلابها في قلب الحدث المهم، الذي يجب أن يطوف بكل جامعات الدولة نحو مزيد من الوعي والاستنارة لشباب هم مستقبل هذا الوطن.

مقالات الكاتب