خليك مع الشعب

يقول أنيس منصور: «الشعوب تريد حريتها في اختيار إرادتها، وفي أن تصحو، وتنام على الجنب الذي يريحها.. ولا تريحها إلا الحرية»، ولو نظرنا إلى جزئية بسيطة في هذه المقولة سنعرف أنه من الأهمية بمكان أن تختار الشعوب الجنب، الذي يريحها بصرف النظر عن هذا الجنب ومكوناته وتبعياته.

الشعب الأميركي اختار رئيسه ترامب، وسواء أكان هذا الاختيار غير متوقع أو مستبعداً بالنسبة إلى البعض، أو حتى مرفوضاً بوجهة نظر فريق المحللين أو الجُهَّل في وطننا العربي، فهو أمر لا يعنينا، ولا نحن الذين يستطيعون تغيير أو تبديل ذلك، أو نملك حق الانتخاب منذ البداية، فهذه مصلحة شعب اختار الجنب الذي سينام عليه، وهو على يقين بأن هذا الجنب هو الذي سيريحه.

صحيح أن الرئيس الأميركي هو رئيس للعالم أجمع في ظل الهيمنة الأميركية على العالم، ولأنها القوة العظمى الوحيدة حالياً في هذا الكوكب، إلا أن هذا لا يعطينا الحق بأن ندلي بأصواتنا، وأن نشاركهم اختيار الرئيس، فهذه مهمتهم، ومن يختاروه فسيكون رئيسهم.

فمنذ صبيحة الإعلان عن الرئيس ونحن نسمع ونقرأ في كل مكان تحليلات للكيفية، التي استطاع بها ترامب الوصول إلى شعبه وإقناعهم بأنه وحزبه الأقدر على حماية المصالح الأميركية، وبوجهة نظري البسيطة والواقعية أستطيع أن أستنتج أن السبب الرئيس الذي جعل من ترامب رئيساً، وألحق الخسارة بمنافسته «هيلاري كلينتون» هو أن الأول ذهب إلى الشعب مباشرة، بينما الثانية ذهبت إلى من يمثل الشعب «اللوبيات».

ذهب ترامب إلى عقول الأميركيين من دون وسائط؛ فخاطبهم أولاً بما يدور في أذهانهم حتى وإن كانت خطاباته عنصرية بعض الشيء، أو حادة إلى درجة كبيرة، فما جاء به ترامب هو ما يخطر ببال أي أميركي، والتي تتمثل بأن المصلحة الأولى والأهم هي مصلحة أميركا دولة وشعباً، وثانياً استخدامه لوسائل مباشرة وغير تقليدية للوصول إلى الناس.

فقد صرف ترامب على حملته الانتخابية ما يقارب الملياري دولار، للإعلان عن أفكاره، وبرنامجه الانتخابي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بينما لم يصرف سوى 17 مليون دولار للإعلان عبر الوسائل التقليدية.

هذا ما فعله ترامب لكي يصل إلى الشعب، فقد كسب الرهان بتقربه إلى عقولهم، وليس بسبب ابنته الجميلة، أو ثروته الضخمة كما قال البعض.

علينا أن نعي ونفهم أنه على الحكومات وأصحاب القرار أن تبقى مع الشعب، وتحادثهم بما يفهمونه، وبالطريقة والوسيلة التي يستخدمونها، فقد أثبتت لنا التجارب أن وسائل التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الناس أكثر فاعلية وقوة من كل الوسائل، لأن السواد الأعظم من الناس متصل بها، فليست العبرة باستخدام هذه الوسائل من أي جهة كانت هو الوصول إلى الشعب ومعرفة همومه ومشكلاته، بقدر ما ستنظر إلى الشعب على أنه هو صاحب القرار، وعليها أن تحترم ما يفكر به.

أصبحت اليوم وسائل التواصل الاجتماعي هي الأكثر تأثيراً في الشعوب، والطريقة الأسهل، التي باستطاعتنا توجيه أي رسالة من خلالها، لتصل إلى الفئات التي نحددها من دون أي تلاعب وتأثير لأي طرف من الأطراف، فعليها وبها أُسقط رئيس، وبسببها وباستخدامها انتخب رئيس.

إن حكومتنا الرشيدة استخدمت هذه الوسائل في الإعلان عن الكثير من الأمور المهمة، كان في أولويتها قيام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بالإعلان عن الحكومة عبر حسابه في "تويتر"، وهذا لم يأتِ لكون سموه يناشد التطور والحداثة فقط، بل لإيمانه بأن الطريق الأسهل والأسلم والأفضل يتمثل بتطبيق مقولة: «خليك مع الشعب».

قديماً كان من الصعب أو المستحيل مشاركة الشعب في قرارات الدولة، حيث كان للشعب من يمثلهم من النخب، التي ستكون لسانهم، الذي ينطق عنهم، ولتكون لهم مشاركة مؤثرة في المجالس البرلمانية والنيابية، إلا أنه وفي هذه الأيام، وتحت مظلة مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت المشاركة سهلة لا تعتريها الصعوبة، وصار بالإمكان إقامة أي استفتاء شعبي، ومناقشة أفكار الناس بكبسة زر واحدة.

الكلمة في البداية والنهاية ستكون للشعوب، ولا بد للشعب من المشاركة الفعلية، فبإمكان أي وزارة وخصوصاً الوزارات، التي تلامس في أعمالها حياة الناس اليومية كوزارة التربية والتعليم، ووزارة الأوقاف، والأشغال العامة، والداخلية، وغيرها أن تقوم باستفتاء شعبوي، أو القيام بجلسات حوارية، عبر حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي قبيل إصدار قراراتها وتشريعاتها.

فأفراد الشعب هم الذين يلامسون المعاناة، وهم الأقدر على إيجاد حلول تناسبهم، وإن كانت حلولهم لا يمكن تنفيذها، فعلى الأقل بمقدور الحكومة أن تتفهم وجهات نظر الناس كافة.

إن ما قام به ترامب لم يكن صدفة، بل هو عن تخطيط عميق لكيفية إدارة حملته الانتخابية، فاختار أقصر الطرق للوصول إلى الناس، وهذا ما قام به صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حين اختار أبسط الطرق للإعلان عن حكومته.

ويعد هذا التصرف هو الأول من نوعه على مستوى العالم، فهذه دروس وعبر يمكننا المضي بنتائجها، وأن ندرك أن المؤسسات الحكومية قائمة على خدمة الشعوب، وحل مشكلاته، والحفاظ على أمنه واستقراره، ومناقشة همومه، ولهذا تمت مشاركة الشعب بما يحبه ويستخدمه.

(نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية)