الآثار الاقتصادية لتوطين الصناعات العسكرية

بلغ حجم الإنفاق العسكري العالمي ما يقارب 2% كنسبة من إجمالي الناتج المحلي العالمي بينما وصل حجم الإنفاق السعودي ما يقدر بـ 14% أو سبعة أضعاف معدل الإنفاق العالمي لتكون على رأس القائمة عالمياً وإن كانت الثالثة عالمياً من حيث حجم الإنفاق الفعلي بـ 87 مليار دولار أمريكي بعد الولايات المتحدة الامريكية والصين في العام 2015م. أرقام كبيرة قد تحمل وراءها من الدلالات السياسية والامنية مجرد النظرة المجردة لحجم الإنفاق اقتصادياً.

توطين الصناعات العسكرية الهدف الذي أشارت إليه "المؤسسة العامة للصناعات العسكرية" -حسب تصريح رئيسها محمد الماضي لصحيفة الوطن السعودية- وذلك من خلال إقامة شراكات عالمية لتحقيق توطين ما لايقل عن 50 % من المشتريات العسكرية بحلول 2030م يحمل في طياته عدد من الآثار الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التالية:

أولاً: الآثار المباشرة والتي تشمل إبقاء السيولة محلياً بدلاً من الإنفاق الخارجي فنحن نتحدث عن 14% من إجمالي الناتج المحلي؛وكذلك خلق الوظائف سواء في المصانع العسكرية أو الخدمات المساندة التي ستتكون حولها.

ثانياً: الآثار غير المباشرة حيث سيسهم توطين الصناعات العسكرية في خفض الإنفاق العسكري فهناك على سبيل المثال الإنفاق على الخدمات اللوجستية كنقل وتخزين الأسلحة المستوردة والتي من المتوقع تراجعها مع توطين الصناعة وإلغاء المسافات. وهذا بدوره سيساهم في تحويل الموارد المالية نحو قطاعات أخرى أكبر حاجة لها. وكذلك فإن توطين الصناعات العسكرية وإلغاء المسافات يقلل الحاجة لتخزين كميات كبيرة من الأسلحة نظراً للبعد عن مراكز الصناعة التي يتم الاستيراد منها حالياً؛ وهذا سيعمل على خفض تكلفة المخزون وبالتالي توفير الموارد المالية لتوجيهها نحو وجوه إنفاق أخرى.

ثالثاً: الآثار المتعلقة بالصناعات الأخرى وعلى رأسها الصناعات التعدينية التي تتضاعف عوائدها من خلال تنمية والنهوض بما يعرف بصناعات المصب "downstream industries" أي الصناعات ذات المنتجات أو المخرجات المتقدمة والتي لا تقتصر على إنتاج المادة الخام من المعدن سواء كان الحديد أو الألومنيوم أو النحاس أو الذهب أو الفضة أو غيرها. 

ومن غير العدل أن يقتصر التحول الاقتصادي الذي تسعى إليه السعودية على استخراج الثروات المعدنية من بطن الأرض وبيعها كمواد خام للعالم الخارجي لتعود إلينا كمنتجات نهائية سواء كمالية أم ضرورية وبأسعار مضاعفة. وبالتالي فالتكامل ما بين إدارة الصناعة المعدنية والصناعة العسكرية مطلب رئيس لأن الجدوى الاقتصادية من الصناعات المعدنية لا تتحقق إلا بصناعات تستوعب الإنتاج المعدني الخام والتي تأتي الصناعات العسكرية في مقدمتها.

رابعاً: الصناعات العسكرية هي صناعات متقدمة تقنياً وبالتالي لن يكون من آثار توطينها مجرد شراء التقنيات المصاحبة لها؛ بل توطين المعرفة التقنية وتأهيل الكفاءات المحلية.

خامساً: تحويل جزء من الصادرات النفطية الخام إلى قطاع الصناعات العسكرية بدلاً من بيعه كمنتج خام يستخدم في إنتاج سلع تعود إلينا بأسعار مضاعفة؛ وهذا ما سينتج عنه ما يعرف بتعظيم استهلاك الموارد "resources optimization" لأن الصناعة العسكرية ستخلق الوظائف وستبقي الموارد المالية محلياً وستحقق الاكتفاء الذاتي إذا ما نظرنا للأمر بصورة أكبر شمولية من مجرد تحقيق العائد المالي من بيع النفط الخام بينما ترتفع معدلات البطالة محلياً. 

 

*مال الاقتصادية

مقالات الكاتب