العمل أهم من الشهادة الجامعية

أثارت مواقع التواصل الإجتماعي وخصوصا تويتر على وزير العمل علي الغفيص بعد أول تصريح له ،  والذي تطرق فيه لمشروع خفض القبول في الجامعات السعودية 50% أي أقل من القبول الحالي بـ 30% ، والمشروع على ما يبدو قديما وتجهز له ثلاث وزارات هي العمل والشؤون الإجتماعية والتعليم والإقتصاد والتخطيط بتوجيه من سمو ولي ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية محمد بن سلمان ، لكن قدر الغفيص أنه أول مسؤول يصرح رسميا عن هذا الموضوع . 

الغريب أن معظم من صرخ غضبا من القرار المنتظر أنهم رأوا فيه حرمانا للشباب من التعليم !! وكأن العمل والتوظيف عند الغاضبين من باب زائد !! بل كأن القرار سيحرم من يرغب في التعليم من مواصلة تعليمه  !! 

دعونا نقف عند الحقائق قليلا ، حسب مسح ميداني للقوى العاملة أجرته الهيئة العامة للإحصاءات العام 2015 أظهر أن 50% من خريجي الجامعات السعودية عاطلون عن العمل ، وبلغت تلك النسبة 32% بين خريجي الثانوية العامة ، في حين أنها بين خريجي الكليات المتوسطة بعد الثانوية 6% فقط، ومن الحقائق أن أفضل نسبة جامعيين بالغين في العالم هي في كندا 51% .
 
نعود للسؤال المهم جدا ، من هم الـ 50%  العاطلين عن العمل من الجامعيين ؟ ثم السؤال الأهم كم خسر الإقتصاد الوطني مقابل كل تلك الأعداد الكبيرة من العاطلين ؟ في حين كان بالإمكان الأستفادة مما أُنفق عليهم مقابل دراسة لا فائدة منها بأن ينفق عليهم أيضا ولكن في مكان أخر أكثر فائدة لهم وللوطن؟؟ ثم نأتي للسؤال الأخير هل نتوقع أن يكون الخفض في القبول الجامعي في الكليات الطبية المختلفة أو الهندسية المختلفة وتخصص مثل المحاسبة وأي تخصص له حاجة في سوق العمل السعودي ؟؟ 
بالنسبة لخريج الثانوية الذي يسمح له النظام الحالي دخول الجامعة بكل سهولة فإن كان ممن لديه هدف ويسعى لتحقيقه كدخول أحد التخصصات المطلوبة في سوق العمل من طب وهندسة ومحاسبة  مثلا فإن هذا القرار لن يؤثر عليه لأن القبول في تلك التخصصات محدودا أصلا ويحتاج لمعدلات عالية، وهو ما يسعى إليه ذلك الطالب وسوف يحققه تحت مختلف الظروف ولن تتأثر تلك التخصصات بالخفض الذي يسعى التعليم لتطبيقه . 

أما الطالب الذي يرغب بدخول الجامعة فقط وفي أي تخصص يسمح به معدله المتدني فإنه سيتأثر بذلك القرار قطعا ، وهم الذين غضبوا من تصريح الغفيص . لكني أرى الأثر إيجابيا وليس سلبيا بالنسبة لهم ، فمنعهم من إضاعة خمس سنوات من أعمارهم قرار حكيم يجب إلزامهم به . فمعظم العاطلون عن العمل هم من أولئك الذين يدخلون الجامعة كيفما أتفق وفي أي تخصص كان .

 في حين أن ذلك الشاب إذا دخل تخصصا ما تقنيا أو مهنيا مطلوبا في سوق العمل بعد الثانوية لسنتين أو ثلاث سيضمن غالبا وظيفته ، وسوف تستقر حياته ويستطيع الزواج وبناء أسره ، في حين أن ذلك الجامعي ما زال يحاول التخرج من الجامعة ، أو يبحث عن عمل في أي مجال كان لأن تخصصه غير مطلوب في سوق العمل . ومن يتحدثون عن تكييف سوق العمل حسب خريجي الجامعات بعيدون عن المنطق ، فكيف لنا أن نوظف خريج شريعة في وظيفة هندسية أو طبية أو حتى مالية ، وماذا نفعل لخريج التاريخ والجغرافيا والأدب وغيرها من التخصصات التي ليس لها حاجة في سوق العمل؟ أو حاجتها لا تتجاوز 1% من عدد الخرجين من ذلك التخصص ؟ .

أخيرا أقول لمن يصرخون غضبا على قرار خفض القبول في الجامعات ويريدونه كالقبول في الصف الأول إبتدائي ، لمصلحتهم أولا ولمصلحة الوطن ثانيا من لا يستطيع دخول الجامعة في التخصصات المهمة التي يطلبها سوق العمل فالأفضل لهم أن يتجهوا لسوق العمل من وقت مبكر خير من أن يضيعوا أعمارهم من أجل شهادة لا تغني ولا تسمن من جوع ، محصلتها عاطل عن العمل ، أو موظف في وظيفة كان يستطيع الحصول عليها بالثانوية العامة ، ما يعني أنه خسر خمس سنوات كحد أدنى من الدخل والخبرة والخدمة .

ما أود قوله أن الذين جعلوا الشهادة الجامعية هدفا يكفيهم شرف الحصول عليها . أما الذين يرونها خطوة في طريق طويل فإنها يجب أن تكون خطوة في الطريق الصحيح ، وإن لم تكن كذلك فإنها عقبة وليست خطوة ويجب التخلي عنها في سبيل الهدف الأهم لمواصلة الطريق بإلاتجاه الصحيح . 

 

*مال الاقتصادية

مقالات الكاتب