أهلاً بالفوضى عندما تغيب الشفافية

هناك مساحات مفتوحة للطرح وقد تكون محدودة وقد تكون مطلقة لدرجة يصعب تحديد نطاقها خاصة في ظل الانفتاح الإعلامي والانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي والنشر الإلكتروني التي يصعب على يد الرقيب الإعلامي الوصول إليها ليصبح الأمر متعلق بمدى العلم والفهم والأمانة والمصداقية التي يتحلى بها الناشر أو الكاتب.

الخطأ في نشر معلومة قد يترتب عليه عواقب وخيمة كتشويش فكر المتلقي وتشويه مفهوم ما كما قد يكون سبباً في نهاية الحياة المهنية لكاتب ما! وكذلك فالخطأ في نشر معلومة غير صحيحة قد يكون مقصوداً كما نعرف ولأهداف معينة عطفاً على ما لآلة الإعلام من دور في توجيه الرأي العام كما يحدث في الحروب الإعلامية بين مرشحي الرئاسة وبين الدول المتنافسة سياسياً واقتصادياً وذلك للحصول على منفعة معينة أو إلحاق الضرر بالطرف الآخر.

عوداً على عنوان المقال "أهلاً بالفوضى عندما تغيب الشفافية" حيث يكون الخطأ في النشر أو المعلومة المتداولة هو نتيجة لغياب المعلومة الأساسية ومن مصدرها الأساسي أي أنه في غياب المعلومة الصحيحة أو ما أسميه غياب الشفافية فنحن نترك مساحة فارغة ليملأها آخرون باستنتاجات وحسابات وتوقعات أبعد ما تكون من الحقيقة والواقع وبالتالي فنحن نساهم في خلق فوضى إعلامية لا داعي لها بينما يتوقع منا القارئ أو المتابع التفرغ لتناول تحديات العصر وتطلعات الشارع الرئيسة.

قضية "التريليون المفقود" أو ما تعرف بـ "تريليون حمزة" –والتي أتت من زميل ذو باع طويل ولكنها كانت هفوة كبيرة- هي مثال بين على ما يمكن أن يحدث ويصل للعامة كنتيجة لغياب المعلومة الصحيحة. تغييب المعلومة أو غياب الشفافية ما هو إلا إشارة خضراء للفوضى والتلوث الضوضائي للانتشار والهيمنة على الشارع وذلك بغض النظر عما تبع وجاءت به التحليلات المتميزة من عدد من الزملاء لبيان الخطأ بشكل تفصيلي وفي غياب لأي رد من الجهات الرسمية. للأسف أنه بينما كانت محاولات المختصين تتوالى لتوضيح هذا الخطأ والرد عليه؛ نشرت صحيفة عكاظ خبراً آخراً قال فيه ديوان المراقبة العامة –الجهاز الحكومي المكلف بمراقبة ومراجعة التقارير المالية للجهات الحكومية- أن وزارة المالية لم تمكن الديوان من الإطلاع على السجلات المحاسبية والبيانات والأرقام الإحصائية المفصلة الخاصة بالحساب الختامي للدولة، لفحصها ودراستها وتحليلها ميدانياً؛ وذلك ضمن المعوقات المالية والإدارية التي حالت دون قيام الديوان بمهامه الرقابية بحسب تقرير الديوان المرفوع للديوان الملكي. وإذا كانت هذه وزارة المالية المتوقع منها التحلي بمقدار اكبر من الوعي المالي وتفهم دورا الديوان؛ فماذا نتوقع من الوزارات غير المالية؟ ولماذا لا نتوقع تعثر المشاريع والهدر المالي في غياب الشفافية؟.

بحسب مؤشر الشفافية العالمي؛ تقطمت السعودية ما بين العامين من 3.4/10 نقطة والمرتبة ال70 في العام 2005م إلى 52/100 نقطة والمرتبة 48 في العام 2015م وهو ما يعد تطوراً في النقاط نسبته تقارب 52%! الحق يقال أننا نتطور مقارنةً بالآخرين لكننا لا نزال في منتصف الطريق؛ وبإمكاننا عمل المزيد لأننا ندرك أين مكامن الخلل لدينا.

الضبابية هي ضد الشفافية وهي إن حضرت تقلص مدى الرؤية وبدأ التصادم في الأفق الإعلامي وأدلى كل من شاء بدلوه على محاسنه ومساوئه؛ والتطور والتقدم سيظل دائماً نتاج عملية تبدأ بوضع الأهداف ومن ثم العمل على تحقيقها وبعد ذلك تأتي تقارير الآداء لتقويم الآداء ولمحاسبة المقصر ومكافأة المنجز؛ والتي إن غابت؛ لن يسعنا إلا أن نقول: أهلاً بالفوضى.
 

مقالات الكاتب