المواطن مسكين أم مُهمِل؟

يكثر الكلام والتنظير في فترات التغير الاقتصادي سواء من ناحية التحليل للأوضاع العالمية ووضع التنبؤات المتشائمة أو الإيحاء بوجود الحلول السحرية التي لم ينتبه إليها أحد سوى مطلق تلك النظريات. تلك النوعية من التحليل تشكل دائما مادة إعلامية تجذب انتباه المتابعين ومع وجود التواصل الاجتماعي يزيد البحث عنها بشكل كبير.

الذي يحصل في فترات التقلب الاقتصادي أن الشخص العادي يحاول أن يبحث عن معلومات أو إشارات من المختصين تتعلق بالمستقبل على أمل أن يحضر نفسه للتعامل مع أي أوضاع جديدة قد تؤثر في طريقة عيشه أو قدرته على الوفاء بالتزاماته. في المقابل تزيد متابعة الشخص العادي خلال الفترات الصعبة لوسائل الاعلام الاقتصادية أو للاقتصاديين عبر وسائل التواصل الاجتماعي أملا في أن يحصل على مبتغاه بشكل سهل. ما يحصل غالبا أن القلق يزداد عنده لأن ما يجده يتمحور حول نظريات إما لا يفهمها أو يعتبر أن تحقيقها مستحيل.

الحسابات المؤثرة اقتصاديا في وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بجميع أساليب التهويل الاقتصادي والتحذير من الكوارث القادمة وإلقاء اللوم على جشع التجار أو على عجز الحكومات على تأمين مستوى العيش الملائم للمواطن. يترافق ذلك مع مقارنات بدول متقدمة وما يحصل عليه المواطنون في تلك الدول. يخرج المتابع العادي لتلك الأطروحات بخلاصة أنه مسكين ومغلوب على أمره ولا يمكنه إلا أن ينتظر ما يحمله إليه المستقبل من ماّسي.

على النقيض من ذلك نجد النصائح الموغلة في النظريات التي من المفترض أن تكون بديهية. فهناك النصائح التي تدعو للادخار أو تغيير طريقة العيش وتخفيض المصاريف والبحث عن مصادر دخل إضافية من أجل التأقلم مع المتغيرات الاقتصادية والحد من تأثيرها السلبي على الشخص العادي. مع أن هذا الكلام في ظاهره إيجابي ومحفز على التغيير إلا أنه يبقى كلاما عاما فيصل المتابع العادي إلى نتيجة يعتقد أنه يتم لومه على وضعه المالي السيء وأنه السبب في التراجع الاقتصادي مما يجعله يحنق ويغضب دون أن يعرف ماذا عليه أن يفعل.

لا أعتقد أن المواطن العادي يجب أن يكون فاهما للتفاصيل الاقتصادية كما يوحي البعض بأنهم يسعون إلى زيادة الوعي عبر نشر تفاصيل اقتصادية متخصصة وتقنية في وسائل التواصل الاجتماعي. في كل الدول التي يطلق عليها متقدمة، لا نلحظ توجه العامة من الناس نحو تفاصيل الاقتصاد للمشاركة في نقاشاته. لا أفهم مثلا كيف سيستفيد المواطن العادي من فهم تفاصيل إدارة الديون السيادية ونسب الفائدة المتعلقة بها. المتخصصون يقومون بمناقشة ذلك ويدلون بدلوهم عند الحاجة. لذلك فإن الإيحاء بأن متابعة المواطن العادي لتقنيات الاقتصاد وتفاصيله في رأيي ضررها أكثر من نفعها.

من ناحية أخرى، فإن إعطاء نصائح بديهية مثل وجوب الادخار أو تقليل المصاريف بدون إعطاء تفاصيل حول كيفية القيام بذلك أيضا غير مفيد ولا يغير من الوضع القائم. أعرف شخصيا عددا من الذين يقومون بنشر تلك النصائح وهم أنفسهم في أوضاع مالية ليست مريحة جدا ولم يتمكنوا من تغييرها.

كي لا يندرج كلامي هنا أيضا في خانة التنظير أقول أن تغيير السلوك الاستهلاكي والمالي ممكن لمن أراد ذلك ولكن لن يكون هناك حل واحد يناسب الجميع. كل شخص له وضعه الخاص والتزاماته وأهدافه التي تختلف عن بقية الناس ولتغييرها عليه العمل عليها بنفسه والاستعانة بالمختصين إن أراد للوصول إلى طريقة التغيير. لن يجد أحد الحل الخاص به عبر وسائل التواصل. من الممكن أن يخرج من متابعاته بنصائح عامة أو خطوط عريضة يستخدمها للوصول إلى ما يريد لكن الاعتماد عليها لوحدها لا يكفي. اذا كان من توعية مفيدة للناس فهي ستكون من تجارب شخصية قام بها البعض ونجحوا ولديهم الاستعداد لمشاركتها مع الاخرين. أما الاعتقاد بأن قراءة تغريدات معينة هي الحل لتغيير الوضع المالي فهو ضرب من الخيال.

لا يوجد مواطن واحد ينطبق عليه وصف موحد. هناك المواطن المسرف وهناك من يعرف كيف يدير مصاريفه ويدخر. هناك الواعي وهناك المهمل. المواطن يحتاج إلى تنظير أقل وهو سيعرف كيف يدبر أموره بنفسه.

مقالات الكاتب