للأغنى .. للأفقر

أصبحت الاقتصادات النامية أكثر اندماجا في السوق العالمية خلال العقود الثلاثة الماضية. وساعد العدد الأقل من حواجز السياسات أمام التجارة - إضافة إلى وسائل الاتصالات والنقل الأفضل - الشركات على إعادة تنظيم مرافق الإنتاج وإدارتها عبر الحدود، والاستفادة من القوى العاملة الرخيصة نسبيا للبلدان النامية. وكثيرا ما يلقى اللوم على هذه التحولات بوصفها السبب في عدم المساواة المتزايد وزوال عمالة الصناعات التحويلية في الاقتصادات المتقدمة والمساهمة في رد الفعل العنيف الحالي ضد التجارة الدولية.
وفي كثير من الاقتصادات النامية، زاد عدم المساواة في الدخل أيضا خلال العقود الثلاثة الماضية، خاصة في آسيا. وتشير استطلاعات الرأي التي أجراها مركز بيو للبحوث إلى أن 80 إلى 96 في المائة من الناس في اقتصادات الأسواق الصاعدة مثل البرازيل والصين والهند وفيتنام يرون عدم المساواة كمشكلة رئيسة تواجه بلدانهم.
غير أن 1 إلى 13 في المائة فقط من الناس في تلك البلدان يرون أن التجارة هي المحرك الرئيس.
ويتفق هذا التصور العام مع الأدلة الواردة في الدراسات العلمية المشمولة في مسح دراسة Goldberg and Pavcnik 2007، التي خلصت إلى أن التجارة أسهمت في زيادة عدم المساواة في الاقتصادات النامية ولكنها ليست السبب الرئيس.
وتكون تأثيرات التجارة على عدم المساواة داخل البلد معقدة نظرا لتأثير التجارة على دخل الناس واستهلاكهم بعدة طرق، وتختلف تأثيراتها غير المتساوية وفقا للسياق. وطبيعة التكامل التجاري؛ وسهولة تنقل العمال ورأس المال بين الشركات والصناعات والمناطق الجغرافية؛ وموقع الناس المتأثرين بالتجارة من حيث توزيع الدخل في البلد تؤدي دورا في هذه العملية. وتسلط هذه المقالة الضوء على بعض الأفكار بشأن هذه المسائل من الدراسات التي أجريت في الفترة الأخيرة على التأثيرات المتفاوتة للتجارة في عديد من الاقتصادات النامية.

عدم المساواة في الدخل
تتحقق المكاسب العادية من التجارة عندما تتخصص بلدان في منتجات معينة وتعيد التجارة توزيع العمال من الصناعات التي تنافس الواردات إلى صناعات التصدير. ويؤدي ذلك إلى انخفاض دخل العمال في الصناعات التي تنافس الواردات وزيادة دخل العمال في الصناعات الموجهة للتصدير، على الأقل على المدى القصير.
وتظهر التأثيرات المتفاوتة للتجارة على الدخل في أبعاد أخرى أيضا.
ويمكن أن تسهم التجارة الدولية في تفاوت الدخل بين عمال على المستوى نفسه عبر الشركات في صناعة ما. وتختلف الشركات فيما بينها من حيث الأداء، ومن المرجح أن تقوم الشركات ذات الأداء الأفضل بالتصدير. وتخلص دراستان أخيرتان من الأرجنتين والمكسيك إلى أن الشركات الفائزة تستفيد من فرص التصدير الجديدة وتتقاسم مكاسب الإيرادات مع عمالها في شكل دخول أعلى دراستا، Verhoogen 2008. Brambilla, Lederman, and Porto, 2012
وإضافة إلى ذلك، يحصل العمال الأعلى تعليما في الشركات التي تصدر إلى البلدان عالية الدخل على دخل إضافي أكبر مقارنة بالعمال الأقل تعليما. ولكن ما السبب في ذلك؟ فالمستهلكون في البلدان عالية الدخل عادة ما يطلبون منتجات أعلى جودة عن نظرائهم في الاقتصادات النامية. وفي المقابل، يتطلب إنتاج وتسويق منتجات عالية الجودة بدوره مزيدا من العمال الأكثر مهارة أو مزيدا من الجهد، وبالتالي تتسع فجوة الدخل بين هذين النوعين من العمال في الشركة.
والمهم في هذا الصدد، هو أن التجارة تؤثر على الدخل بشكل متفاوت في أسواق العمل المحلية داخل البلد، كما تشير عديد من الدراسات.
ومن الأمثلة على ذلك فيتنام. فقد أدى اتفاق بشأن التجارة في عام 2001 مع الولايات المتحدة إلى خفض التعريفات الجمركية على صادرات فيتنام بمقدار 23 نقطة مئوية في المتوسط. واختلفت هذه التخفيضات في التعريفات اختلافا كبيرا فيما بين الصناعات.
وتتخصص المقاطعات في فيتنام في صناعات مختلفة، وتركزت العمالة في بعض المقاطعات في الصناعات التي تأثرت بالتخفيضات الكبيرة في التعريفات؛ وفي المناطق الأخرى، كان عدد قليل من الناس يعمل في هذه الصناعات. ونتيجة لذلك، أثر انخفاض تكاليف الصادرات على العمال بشكل مختلف عبر المقاطعات.
وتخلص إحدى الدراسات إلى انخفاض الفقر بدرجة أكبر في المقاطعات التي استفادت صناعاتها من الانخفاضات الأكبر في تكاليف التصدير (دراسة McCaig, 2011) وانخفض الفقر لأن الوصول إلى السوق الأمريكية رفع الطلب على العمال المحليين ورفع الأجور في المقاطعة - خاصة للعمال الحاصلين على التعليم الابتدائي كحد أقصى.
والمقاطعات التي استفادت بشكل أكبر هي تلك التي كانت أغنى في البداية وبالتالي عندما زادت التجارة، زاد أيضا عدم المساواة في الأجور في المقاطعات.
وتشير النتائج الواردة من فيتنام إلى أن التجارة الدولية تؤدي إلى اختلاف الدخول بين المناطق في البلد الواحد، وهي نتيجة أكدتها دراسات عديدة. وتتعرض بعض المناطق أكثر من غيرها للتجارة الدولية بسبب الاختلاف فيما تنتجه.
ويمكن أن تكون الاختلافات في الدخول مترسخة للغاية لأن العمال ورأس المال لا يتنقلان بحرية، وهناك القليل من إعادة التوزيع بين المناطق، خاصة في الاقتصادات النامية. ونتيجة لذلك، تختلف تأثيرات التجارة الدولية على العمال حسب تأثيرها على الاقتصاد المحلي.