الريال اليمني يتهاوى ..أما له من منقذ ؟.! (2-3) (3-3)

تلك التوطئه حتما تساعد في أن تكون الإجابه عن التساؤلات قد أحاطت بكل شارده ووارده تتعلق بالعوامل والاسباب والاجراءات المتخذه من قبل ب . م . ي التي ساهمت في المحصله النهائيه في تدهور ثم تهاوي قيمة الريال أمام الدولار والعملات الاجنيه الاخرى .
ومن بين تلك العوامل والاسباب ، .لعل الأكثر تأثيرا ما يلي :

 

1. إنخفاض رصيد الأصول الخارجيه للبنك المركزي اليمني .

لقدتسببت الحرب في توقف إنتاج وتصدير النفط والغاز .مما اغلق قناة من اهم قنوات تغذية الاصول الخارجيه للبنك المركزي اليمني بالنقد الاجنبي . وتضافر هذا العامل مع عاملين أخريين يعدان من روافد النقد الاجنبي لتغذية الاصول الخارجيه للبنك المركزي ويتمثلان بالتحويلات الجاريه من المغتربين الى الداخل وكذا المنح والمساعدات والقروض وصافي الاستثمار الاجنبي المباشر . 
استمر استخدام رصيد الاصول الخارجيه - دون تغذيه راجعه - في الدفاع عن قيمة الريال تجاه العملات الأجنبيه من خلال تدخل البنك المركزي بائعا للدولار ، وفي تأمين الاستيراد بالمواد الغذائية الرئيسية والادويه والمشتقات النفطيه بسعر الصرف (( الرسمي)) الى حين ااستنزاف جزء كبير من الاصول بالنقد الاجنبي توقف عن توفير الدولار بسعر214.9 ريال/الدولار لدعم استيراد السكر وغيره من المواد الغذائيه وعدد واسع من الأدويه والمشتقات النفطيه . وفي أغسطس 2015 م فتح باب إستيراد المشتقات النفطيه للتجار الأمر الذي نجم عنه أثران مزدوجان ، الأثر الاول تمثل بخروج السيوله النقديه المحليه من الدوره النقديه وتكدسها لدى المستوردين وشركات الصرافه لتوفير الدولارات عند الاستيراد سيما للمشتقات النفطيه التي تصل ارباح الشحنه الواحده التي تغطي حاجة السوق لمدة شهر الى حوالي 2مليار ريال حسب بعض المصادر . وتمثل الأثر الثاني في ارتفاع سعر الصرف نتيجة المضاربه التي نتجت عن زيادة الطلب على الدولار في ظل انخفاض ملحوظ للمعروض منه .

للحديث بقيه في الجزء (3-3).

 

نعود مجددا في الجزء الثالث من حلقات الريال اليمني يتهاوى

 

كنا في الجزء الثاني قد بدأنا بإستعراض العوامل والاسباب الرئيسه التي أدت الى تدهور القيمة الخارجيه للريال اليمني ، وفي هذا الجزء نواصل الحديث حول العوامل والاسباب ، ومن ثم نعرج على الحلول المقترحه للحد من تدهور قيمة الريال لتخفيف من الاثار السلبيه الناتجه عنه والتي طالت الاقتصاد اليمني برمته .فإلى تكملة الموضوع :

 

2- صافي إقتراض الحكومه .
شهد عام 2015 توقف شبه كامل لتدفق الايرادات العامه المحليه للحكومه بسبب توقف النشاط الاقتصادي بينما ظلت نفقاتها تصرف وتحديدا من الباب الاول ( الاجور والمرتبات) . وسجلت نسبة الإنخفاض في الايرادات العامه (
-53.7بالمئه) مابين 2014-20155م . وتسبب هذا الامر بعجز كبير اضطرت الحكومه إلى تمويله عبر السحب على المكشوف من البنك المركزي نظرا لتراجع مشتريات أذون الخزانه . وقد بلغت نسبة تمويل عجز الموازنه من الاقتراض المباشر من البنك المركزي (السحب على المكشوف) حوالي 85بالمئه في عام 2015م، مما أثر سلبا في زيادة الضغوط على ميزان المدفوعات وإضعاف العمله المحليه ( الريال) ، وطال الأثر اسعار السلع والخدمات التي ارتفعت معلنة بداية مرحله جديده من ارتفاع معدلات التضخم التي ما من شك تلقي بظلالها على تدني مستويات المعيشه - التي هي أصلا متدنيه من قبل الحرب - .

 

 

3- تدخل البنك المركزي في مزاد بيع الدولار كتاجر وليس كسلطه نقديه .!!
بعد أن وصل سعر الصرف إلى حدود 300 -305 ريال /لدولار في نوفمبر 2016م ، تدخل البنك المركزي معلنا عن مزاد لبيع الدولار .وكان هدفه من هذا الإجراء تحقيق غرضين : أحدهما سحب جزء من السيوله المحليه المكتنزه لدى الصرافين والمستوردين من كبار تجار المواد الغذائيه والادويه والمشتقات النفطيه، والغرض الآخر توفير جزء من احتياجات السوق من الدولار الذي ارتفع الطلب عليه بصوره ملفته بعد ان تخلى البنك المركزي عن دوره في تغطية الاستيراد من خلال توفير الدولار للمستوردين بسعر البنك المعدل 250ريال/الدولار .
أرسي المزاد عند سعر 301 ريال /الدولار . وهنا ارتكب القائمون على السياسه النقديه خطأ فادحا . فماذا يعني إرساء المزاد على هذا السعر الذي كان اصلا قد أضحى سعر البيع في سوق الصرافه ؟ 


هذا يعني دون أدنى شك أن البنك المركزي أراد بدون أن يعلن أن يكون سعر الصرف التأشيري 301ريال لكل دولار بدلا مما حدده سابقا بأعلان
بأنه 250ريال/دولار .
ومن الطبيعي جدا أن يقود ذلك الى ارتفاع سعره في سوق الصرف الأجنبي  ( عند الصرافين) الى 335 ريال للدولار إن لم يكن أكثر .
وكنا في منشور سابق بتاريخ 24نوفمبر بعد عقد المزاد بيوم أو يومين قد توقعنا هذا المآل لسعر الصرف . وهو ما نشاهده أمامنا اليوم . 
 كان البنك المركزي في ذلك المزاد مركزا على تحقيق الهدف الاول وهو استقطاب اكبر قدر ممكن من السيوله المكتنزه لتمكينه من تأمين رواتب الموظفين في الجهاز الاداري الحكومي وهنا ظهر كتاجر يسعى الى أعلى سعر في المزاد ، بينما البنك المركزي ليس بنكا تجاريا يسعى نحو الربح إنما هو سلطه نقديه هدفها الاساس ضمان الاستقرار النقدي كدالة لإستقرار الاقتصاد الكلي ، حيث كان ينبغي على القائمين على السياسه النقديه أن يركزوا على الهدف الثاني وهو الأهم في 
 هذه المرحله وهو الحفاظ على قدر من التوازن ولو النسبي بين المعروض من الدولار والطلب عليه . وقد باع المركزي في مزاد العمله في حدود 20مليون دولار . بينما استمر بالبيع اليومي للدولار حسب الطلب إلى أن وصل إجمالي الكميه المباعه من الدولارات الى حوالي 100 مليون دولار . لكنها لم تحقق أي من الاهداف .فلا هي استقطبت السيوله المكتنزه بما يكفي لتغطية ولو راتب شهر واحد لموظفي عدن فقط . ( تبلغ المرتبات الشهريه لعدن في حدود 8 مليار ريال). ولاهي أوجدت قدر من التوازن مابين العرض والطلب على الدولار . الذي بلغ متوسط سعره بعد المزاد 335ريال/دولار .
 وأقل مايمكن قوله عن هذا الإجراء أنه ساهم في زيادة الفجوه مابين سعر الصرف التأشيري للبنك المركزي وبين سعر الصرف في سوق الصرافه . من 250 الى متوسط335 ريال لكل دولار .

 

4- طباعة العمله دون غطاء إصدار .

لعل من بين الأسباب الرئيسه التي فاقمت من تدهور قيمة الريال ، إصدار العمله بدون غطاء إصدار . 
 ماذا يعني إصدار العمله بدون غطاء . يعني ضخ عمله للتداول في السوق بدون أن تغطيها احتياطيات دوليه للدوله ( صافي الأصول الخارجيه في الميزانيه العموميه للبنك المركزي ). والتي تتكون من معادن ثمينه كالذهب أو عملات أجنبيه كالدولار واليورو والاسترليني ...الخ ، أو حقوق السحب الخاصه التي يصدرها صندوق النقد الدولي أو أذون خزانه اميركيه أو أوربيه ....الخ .
إذا تم اصدار العمله بدون غطاء فإن ذلك ينذر بكارثه . 
ناهيك عن أنه ينبغي أن يقابل النقد المصدر ما يساويه من قيم حقيقيه يعبر عنها بسلع وخدمات .( الناتج المحلي الإجمالي ) بحيث تتساوى معدلي نمو المعروض النقدي والناتج المحلي الاجمالي .
 أما اذا ارتفع معدل نمو المعروض النقدي عن معدل نمو الناتج ، فذلك يقود لامحاله الى زيادة التضخم ويضعف الريال .

 

5- عدم السماح للبنوك التجاريه بتحويل الريالات السعوديه المتراكمة لديها من تحويلات المغتربين الى دولارات عبر مؤسسة النقد السعوديه بغية ايداعها لدى البنوك المراسله في الخارج وخاصة في البلدان التي ترتبط بعلاقات تجاريه واسعه مع اليمن .لهدف تغطيه الاعتمادات المستنديه للسلع المستورده من تلك البلدان عبر ماتمتلكه البنوك المحليه من دولارات في البنوك المراسله . 
أدى هذا الإجراء غير المنطقي - سيما بعد نقل مقر و عمليات البنك المركزي  الى عدن - الى زيادة الضغط على المعروض النقدي من الدولارات ، رغم شحته أصلا ، وفاقم من زيادة الطلب عليه .

 

6- لعل من بين العوامل المؤثره على الجانب النقدي تأتي العوامل النفسيه والسلوكيه في المقدمه . فكل النظريات المفسره للعلاقه بين النقود والأسعار - تقريبا- نظريات تركز على جانب الطلب على النقود وليس على جانب العرض الذي يتأثر بالعوامل المؤسسيه أكثر .
وفي حالتنا الخاضعه للتحليل يمكن القول بأن الحرب وتداعياتها خلقت عند أطراف التبادل في السوق المحليه هلعا وعدم يقين من مآلات الاوضاع الامنية والسياسيه الأمر الذي ولد لديهم ما يعرف بظاهرة "سلوك القطيع" 
 التي غالبا ماتظهر في حالات الهلع وعدم اليقين . سلوك القطيع يتجلى برغبه المدخرين من القطاع العائلي والمودعين من قطاع الأعمال الى سحب اموالهم المودعه في البنوك وتفضيل استبدالها من الريال الى الدولار خشية من تآكل قيمتها . وهنا يتحول الدولار - إضافه الى كونه مقياس للقيم في اليمن - الى أداة لخزن القيمه . أي ان الدولار يؤدي وظائف النقود في الإقتصاد اليمني . وتسببت هذه الظاهره بزيادة الطلب على الدولار ناهيك عن أنها تجلت بفقدان الثقه بالريال .

 

 

تظافرت كل تلك 
العوامل معا لتترك اثارا سلبيه واضحه على النشاط النقدي برمته ، الأمر الذي يستدعي التدخل السريع من السلطه النقديه ووزارة الماليه والمجلس الإقتصادي الأعلى - إن كان لازال هناك مجلس - لإتخاذ إجراءات جريئه في الجانب النقدي لإنقاذ الريال . قبل أن تتسارع وتيرة تهاويه ويتسبب بإنهيار كامل لكل أركان الأقتصاد اليمني التي كانت الحرب قد هزتها اصلا .

 

للحديث بقيه

 

أ.د/محمدعمرباناجه 
5/2/1017

 

مقالات الكاتب