أثر ثقافة الخوف في أداء العمل

لا يعد أسلوب الخوف نوعاً من إدارة المخاطر، بل على العكس تماما. فالخوف يقتل المبادرة والسلوكيات الإيجابية في المجتمع. ويحدّ من قدرات الأشخاص الأذكياء والموهوبين. كما أنه يضيق الخناق على الابتكار ويقوّض فرص النمو في المستقبل. ومن المفارقات، أن العمل يصبح أكثر عرضة للخطر، حيث يتم تجنب وتأجيل النقاشات الحاسمة.

المؤشرات
اللوزة، وهي ذلك الجزء من الدماغ الذي يقيّم العواطف والاستجابات السلوكية المرتبطة بالخوف، التي قد تكون ناجمة عن مصادر داخلية وخارجية على حد سواء. تتراوح الإشارات من الكبيرة إلى الصغيرة، ومن الخوف من دخول وشيك لمنافس قوي إلى نظرات التشكيك لأحد زملائك عند طرحك لفكرة مهمة. يبدأ المصدر الرئيس للخوف لدى كثير من الأشخاص في منازلهم ويظهر على شكل زعيم مستبد. وهذا يمكن أن تمثله عبارة "لا تجلب لي المشاكل، أحضر لي الحلول". وبطبيعة الحال غالبا ما قد يكون قد فات الأوان على ذلك.
وأيا كان مصدر القلق فإنه يوجد عديد من الخصائص التي تفيد بالتنبؤ إذا ما كانت حالة القلق هي المسيطرة في الشركة:
- غياب الحوار الصريح والمفتوح. على سبيل المثال، عند حدوث نقاشات مهمة سواء قبل أو بعد الاجتماعات، ويبقى الجميع صامتين خلال المناقشة الرسمية.
- مقاومة المشاركة، خوفا من التعرض للسخرية، أو التجاهل أو "الفشل".
- تصنّع العمل وفقا للخطة الموضوعة "النفاق"، ويرتكز ذلك على الاعتقاد السائد بأن تلك الخطط ليست ذات جدوى على أي حال.
- التردد الكلي أو الجزئي عند تمرير الأنباء السيئة للإدارة العليا.
- ثقافة أخذ اقتراحات الآخرين، من دون وجود أي نية للعمل بها.
- التركيز على الإيجابيات وإهمال النتائج الكارثية.

كيف يمكننا التخفيف من أثر الخوف؟
1 - تأكيد أهمية التعاون على مستوى التنفيذيين
اختيار المديرين والتنفيذيين بناءً على الذكاء العاطفي الذي يتمتعون به. فالقياديون الذين يبدون ردود فعل انفعالية بانتظام أو يعكفون على سحق المعارضة الداخلية، يتسببون في فرض تكلفة على المؤسسة. على سبيل المثال، تضمنت الفضائح المحاسبية في مطلع القرن عددا من الرؤساء التنفيذيين مثل ريتشاردسكروشي أو"المنشار".
تطوير ثقافة تسمح بالاعتراض على قرارات القيادة. فبعد تحطم رحلة الخطوط الجوية الكورية 801، نفذت شركة الطيران برنامجا تدريبيا للتخفيف من حدة الثقافة السلطوية الهرمية، التي منعت مساعد الطيار والطاقم من التحدث، حتى في حالة حرجة مثل الحياة والموت.
2 - تتبع رادار الخوف
مناقشة مسألة الخوف في اجتماعات رفيعة المستوى. وعلى وجه التحديد تقييم ومعالجة الأثر المحتمل للسلوكيات المدفوعة بالخوف على العلاقات الشخصية والمهنية في العمل، وعلى تدفق المعلومات، واتخاذ القرارات في الوقت المناسب، ولا سيما في ظل ظروف السوق المضطربة والأزمات.
3 - اختيار المعرفة بدلا من أسلوب القصاص
التركيز على المؤشرات القيادية – التي تسهل الحوارات التنظيمية، حيث يشعر الأفراد بالأمان لمناقشة وتسليط الضوء على التهديدات والإخفاقات الوشيكة الحدوث بشكل صريح. فقد لا يكون نصيب هذه الحالات والأحداث الفشل، ولكنها مؤهلة لذلك. مثال على ذلك تدريب المشرفين لقيادة جلسات لاستشفاف المخاطر عند حدوثها.
عدم إلقاء اللوم على الآخرين عند الإخفاق. على سبيل المثال، تقوم عديد من المستشفيات بإجراءات لمراجعة أي أخطاء محتملة بعد وفاة المريض للوصول إلى اقتراحات لتحسين الإجراءات المتبعة.
4 - عدم الحياد عن الحقيقة - تشجيع الحوار الأصيل
يتعين عليك كقيادي أن تستبق الأحداث قبل حصولها. وبشكل خاص إدراك مخاوف الآخرين، والاعتراف في حال لا تملك الإجابة الصحيحة عن تساؤلاتهم. احتفل بالنجاحات ولكن أقر بالفشل والتهديدات.
التشجيع على الابتكار وحث الآخرين على طرح أفضل أفكارهم.
5 - كافئ من يستحق - تحسين نظام المكافآت.
تصميم نظام حوافز مناسب - وعدم اللجوء إلى إعطاء حوافز ضخمة للغاية. وقد أظهرت الأبحاث في العلوم العصبية أنه عندما تكون المكافأة كبيرة جدا، يعيد الدماغ صياغة أمل الحصول على مكافأة إلى خوف من خسارتها.
إضافة إلى تسهيل وتيرة التقييم. حيث تقوم بعض الشراكات المهنية بمراجعة أداء الأشخاص الجدد بشكل أسبوعي ويهددونهم بإنهاء مهامهم.
بطبيعة الحال، سيقوم الأشخاص الجدد باتباع النهج ذاته عند توليهم مناصب أكبر.
تصميم مؤشرات الأداء الرئيسة مع المكون السلوكي لردع الأفراد من التركيز على النتائج بشكل حصري، خوفاً من أن يحيدوا عن أهداف الشركة.

نموذج بيكسار
الشركة الرائدة في اعتماد هذه الطريقة هي "بيكسار" التي صنعت أفلاما مهمة مثل توي ستوري أو إنسايد أوت، التي تعمل في بيئة غير واضحة المعالم تعتمد على الإبداع وإيجاد شخصيات خيالية وجمهورها متقلب. حيث الحاجة إلى تقييم حيوي، وصراحة، والابتعاد عن الغرور يصبح الهدف الأسمى.
أوجدت بيكسار مفهوم "الثقة بالخبراء" كمنصة في مرحلة تطويرها للأفلام ذات الميزانية الضخمة. وتضم مجموعة منظمة كبيرة من المخرجين السينمائيين، حيث يلعب بعضهم دور الناصح أو المستشار والآخر دور المتلقي، مع تبادل الأدوار بانتظام فيما بينهم. لا تملك مجموعة الثقة هذه أي سلطة، وكل عضو فيها على دراية بوجود احتمال حدوث خطأ. ومثل هذه المناقشات الحادة لا تحمل عقوبة أو وصمة العار. ويتفهم المخرجون أنها لا تتمحور حول شخصياتهم أو الفيلم بل حول إجراءات العمل. وهذا الأسلوب أسهم في دفع بيكسار لإنتاج أفلام مبتكرة وناجحة.
والسؤال الذي يستحق النظر فيه: "ما الذي يقابل مجموعة الثقة هذه في شركتك؟ وما الفائدة التي من الممكن تحقيقها؟".