أسواق النفط إلى أين؟

دخلت أسواق النفط الشهر الثاني من العام ومتوسط أسعار خام برنت مستقر قرب 55 دولارا للبرميل منذ أن قررت "أوبك" خفض إنتاجها في  30 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي - مدعومة ببعض المنتجين من خارج المنظمة وفي مقدمتهم روسيا - غير متأثرة بارتفاع المخزونات في الولايات المتحدة، سياسة الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط أو الكلمات المطمئنة من "أوبك" بأن الامتثال للتخفيضات قوي. وراء هذه الواجهة الهادئة، تبدو أسواق النفط أكثر ضعفا ولكن أيضا أقوى مما كانت عليه في بداية العام عندما بدأ العمل بالتخفيضات المتفق عليها بين المنتجين من داخل "أوبك" وخارجها. حيث إن المتعاملين في الأسواق الآجلة وخصوصا لخام برنت يتوقعون الآن أن الأسواق في منتصف العام ستكون أكثر صرامة بكثير مما كانت عليه قبل شهر.
منذ بداية عام 2017م، تبدلت الأسعار النسبية لمعايير الخام الأساسية شكل حاد ، حيث إن أسعار خام الشرق الأوسط دبي ارتفعت مقابل خام برنت الأوروبي، والأخير في الواقع بدوره أصبح أقوى مقابل الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط. في الواقع، سياسة "أوبك" الإنتاجية تؤثر في خام دبي ومزيج برنت أكثر من خام غرب تكساس الوسيط. تداول خام تكساس بفارق ضئيل أو مقارب لخام دبي يجعله أرخص لإرسال فائض حوض الأطلسي عالي الجودة - الخفيف والحلو - إلى آسيا. لذلك شهد شهر كانون الثاني(ديسمبر)  شحن كميات قياسية من نفط بحر الشمال تجاوزت 300 ألف برميل في اليوم إلى الشرق، في حين أن الموازنة أو المراجحة الآسيويةAsian Arbitrage هي أيضا منفتحة على النفط الخام الأمريكي. في هذا الجانب، يقول المحللون إن أنجولا باعت شحنات النفط الخام تحميل شهر آذار (مارس) بسرعة كبيرة في الشهر الماضي.
إن استنزاف حوض الأطلسي هو الهدف الرئيس لـ "أوبك" - مدعوما بتخفيضات أصغر من خارج المنظمة، حيث إن مخزونات النفط في حوض الأطلسي لها تأثير كبير في أسعار خام بحر الشمال برنت. يشير ميزان العرض والطلب إلى أن مخزونات النفط ستستمر في الارتفاع في الربع الأول من العام ولكنها تبدأ بالتراجع في الربع الثاني.
في الواقع، مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة ارتفعت بنحو 15 مليون برميل منذ بداية العام. يعود السبب جزئيا إلى بدء موسم صيانة المصافي. حيث تراجعت إنتاجية المصافي في الولايات المتحدة إلى ما دون 16 مليون برميل في اليوم وهو ما يزيد قليلا على 17 مليون برميل في بداية العام. على الرغم من ذلك، بقيت أسعار النفط قوية. لكن، امتثال "أوبك" القوي نسبيا لخفض الإنتاج وفي الوقت نفسه ارتفاع الإنتاج من الولايات المتحدة ومنتجين آخرين من خارج المنظمة غير معنيين بالاتفاق، حالا دون اختراق أسعار خام برنت حاجز 58 دولارا للبرميل أو التراجع دون مستوى 53 دولارا للبرميل.
إن توقع تشدد أسواق النفط، دفع المضاربين إلى ضخ المزيد من الأموال في أسواق العقود الآجلة للنفط، حيث إن مواقف الشراء للمضاربين هي الآن في أعلى مستوياتها على الإطلاق لخام غرب تكساس الوسيط وقريبة من أعلى مستوياتها لخام برنت. وأوجد هذا شعورا بالقوة في الأسواق، ما دفع أسعار الشهر الفورية إلى أعلى، وضيق هيكل التأجيل Contango في منحنى الأسعار، أي أن أسعار العقود المستقبلية "الآجلة" أعلى من الأسعار الفورية. تضييق هيكل التأجيل يشير عادة إلى أن أسواق النفط الفعلية تزداد تشددا. في هذه الحالة، قد يكون السبب تدفق الأموال من المضاربين ما أوجد حالة من الوهم بتشدد الأسواق. إذا ما تغيرت النظرة إلى السوق، قد تتحول الحماسة من الشراء إلى البيع. قد يدفع هذا المضاربين إلى تغيير مواقفهم، ما يضع ضغوطا تنازلية على الأسعار وهيكل منحنى الأسعار.
هناك إشارة أخرى إلى قوة الأسواق قد يكون مبالغا فيها أيضا، حيث يشير المحللون إلى أن القوة النسبية لخام الشرق الأوسط دبي مقابل "برنت" قد تكون أعلى نتيجة أن شركة "نفط الصين" تشتري كثيرا من النفط المتاح في الأسواق الفورية لخام دبي، من تخفيضات الإنتاج في "أوبك". على سبيل المثال، في الشهر الماضي، اشترت شركة نفط الصين تسع شحنات من "يونيبك" وهي شركة تابعة لـ "سينوبك"، أربعا من "رويال داتش شل"، واثنتين من شركة ريلانس.
وهذه ليست المرة الأولى التي تمت فيها عمليات شراء كبيرة من شركات تداول صينية تدفع خام دبي للاقتراب من أسعار الخامات المنافسة. في الشهر الماضي، أسعار العقود الآجلة لمبادلات دبي - برنت ضيقت علاوة برنت إلى أقل من 1.3 دولار للبرميل، لكنها منذ ذلك الحين اتسعت إلى 1.7 دولار للبرميل. هذا الفرق لا يزال يشجع إرسال نفط حوض الأطلسي إلى آسيا. وفي منتصف شهر كانون الثاني (يناير)، دفعت شركة "نفط الصين" هيكل أسعار خام دبي حتى إلى حالة التراجع Backwardation، أي أن أسعار الشهر الفوري هي أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة.
الخلاصة أن إمدادات النفط في تراجع. تخفيضات "أوبك" في شهر كانون الثاني (يناير) وصلت إلى نحو 1.1 مليون برميل في اليوم، قريبة جدا من 1.2 مليون برميل في اليوم المتفق عليها. في حين تقول روسيا إنها خفضت إنتاجها بنحو 100 ألف برميل في اليوم. في الوقت الحالي هناك نحو 250 إلى 350 مليون برميل فائض في الخزين. تعتقد "أوبك" أنها تستطيع أن تتخلص من جزء كبير من هذا الفائض في عام 2017م، بدءا من الربع الثاني. هياكل الأسعار تبدو قوية، ولكن كم هو مدعوم من قبل أساسيات السوق، مقابل المضاربات وعمليات الشراء القوية من الصين، غير مؤكد.

مقالات الكاتب