محطات على طريق التميز الإداري

تكثر المداخل المتعلقة بسبل التميز الإداري وتختلف الرؤى وتتعدد تبعاً لتعدد المشارب والتوجهات غير أنها جميعاً تتفق على أنها تبدأ بالإنسان، الذي هو صانع التميز، والمحافظ على مكتسباته، والضامن لنجاح كافة أدواته ومشروعاته، وهو في الأخير المنتفع بنتائجه.

إن الإمارات، التي باتت أيقونة ينظر العالم إليها وينهل من تجربتها الرائدة في تحقيق تميز مستحق على كافة الأصعدة وتعدد المستويات، تؤكد كل يوم أن البداية تأتي من الإنسان، وهو الدرس الذي يجب أن يتعلمه كل في مكانه وكل على قدر مسؤوليته. فالرضا الإنساني هو السبيل إلى تحقيق التميز، وكذلك الإحساس بأن الطريق أمامه ممهد للتعبير عن ذاته والكشف عن قدراته، فضلاً عن شعوره بقيمة ما يقوم به وأهميته في منظومة العمل ككل، كل ذلك يساعده في تحقيق معدلات غير مسبوقة من الأداء، والذي ينتقل به إلى التميز ويضعه على طريق الإبداع، ويقع في القلب من ذلك ويلازمه العلاقة الإنسانية بين فريق العمل الإداري، والتي لها الدور الأكبر كتحفيز العاملين.

وخلال سنوات عشتها ومازلت في الإدارة وجدت أنه من المهم أن يدرك الفرد الهدف الكبير والغاية الكبرى التي يعمل لأجلها، غير أنه من الأهمية بمكان أن يترك له مساحة يتعامل فيها بفكره ويضفي طابعه الخاص على ما يقوم به، على أن يتحمل مسؤوليته كاملة، ويشعر بقيمة ما يحمله من فكر. وهنا أستحضر المقولة العبقرية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عندما سئل من أين تأتي بأفكارك، فكانت إجابة سموه منكم أنتم ومن الفريق الذي يعمل معي. وهنا يجب أن نتوقف طويلاً لنعرف أنه ليس من المهم أن يكون لدى فريق العمل أفكار فحسب ولكن من المهم أن ندفع بما يمكن تطبيقه منها بعد مناقشة مستفيضة لكافة جوانبها، كما أن مشاركة كل أفراد الفريق في الفكرة ذاتها يجعلهم أقل معارضة لها، وأكثر إيمانا بها وتحملا لتبعاتها، وبذل قصارى الجهد لإنجاحها، كذلك فإن تصميم المكان ذاته وطبيعة تصميمه من شأنهما أن يساعدا على تعاون فريق العمل مع بعضه البعض، واستثارة الأفكار المبدعة وتكاملها، وتعزيز روح التعاون والزمالة بين بعضهم البعض، كما أن شعور جمهور المؤسسة بقدرتهم على التواصل المباشر مع ممثليها يصنع شعورا بالألفة والراحة وهو ما لا يمكن أن يكون مع الغرف المغلقة والأبواب الموصدة.

فضلا عن ذلك فإن هناك بعض اللمسات الإنسانية المهمة التي تضفي روح الأسرة الواحدة على فريق العمل، وبخاصة أنهم قد يجلسون لأوقات تطول، فلا بأس من إضفاء حالة من البهجة عبر جلسة يومية لها موعد ثابت يتم فيها اللقاء على فنجان من القهوة، أو تنظيم دعوة للطعام بين العاملين على فترات، أو مشاركتهم المناسبات السارة أو المواقف الصعبة التي يمرون بها، ذلك أن البيئة التي يعيش فيها الفرد وما يجري له من أحداث لها مردود على عطائه الإداري، من هنا يمكن أن تكون تلك المواقف فرصة لجعله يتحول من موظف في المكان إلى منتمٍ له، وهي درجة أكبر ومستوى أعلى وباب من أبواب التميز يولج إليه العاملون، فتستنفر الطاقات وتتحقق الغايات، ومن المهم أن يتقدم أكثرهم عطاء ليتحمل مسؤولية الجميع ولو ليوم أو أيام، وتلك رسالة لها دلالات كثيرة منها رؤية أفكار جديدة ولو لفترة قصيرة، فضلا عن إشعار كل فرد أن فرص الارتقاء الوظيفي متاحة كل على قدر عطائه وتميزه، كما أنها شكل مهم من أشكال إعداد صف ثانٍ من القيادة عبر الممارسة الفعلية، ومن الأهمية بمكان أن تكون هناك فرص متاحة لتبادل الحوار بين العاملين في مختلف درجات السلم الإداري، فلا شك أن قنوات الاتصال الإلكترونية رغم أهميتها وأثرها في تسهيل التواصل بين العاملين غير أنها لا تغني عن الحوار المباشر والاستماع إلى كافة أعضاء فريق العمل بشكل إيجابي، الأمر الذي يعمل على توليد أفكار غير مسبوقة لا يمكن التعبير عنها عبر المكاتبات.

وعند التوجه إلى مرحلة التنفيذ يجب أن تتضح لدى كل فرد المهمة التي يجب أن يؤديها ببساطة ووضوح، في الوقت الذي تجب فيه مشاركة قائد فريق العمل من حوله ومساعدتهم في التغلب على ما يواجههم من مشكلات كتفاً بكتف وذراعاً بذراع دون أن يتم انهاكهم وتحميلهم ما لا يطيقونه، أو تركيز الأعمال على البعض دون البعض، الأمر الذي سيؤثر لا محالة على عطائه وجودة ما يؤديه، في الوقت الذي يجب التعامل معهم بشفافية وعدالة، وإتاحة المعلومة لهم مها كانت قسوتها منعاً للشائعات والتأويلات أو سوء الفهم، تلك بعض من المحطات التي تؤدي إلى التميز الإداري خبرتها وعشتها.

 

مقالات الكاتب