النفط بين ذروتين

لعقود مضت كان الحديث منصبا على ذروة "العرض" في النفط والمخاطر المحيطة بعدم كفاية المخزون والإنتاج لتلبية الطلب المتزايد. بدأت هذه منذ القراءة الدقيقة لجيولوجي يعمل لشركة شل في الخمسينيات حين توقع بدقة أن الذروة في إنتاج أمريكا النفطي ستكون في 1971. بعد ذلك تولى زمام الاهتمام أمريكي آخر اسمه سمونز استشاري ومصرفي توفي قبل سنوات قليلة. كان لديه اهتمام بحقل الغوار، ولكن أثبتت التجربة أن هذه التوقعات خطأ من ناحيتين الأولى مدى توافر النفط والغاز في باطن الأرض والثاني تطور العلاقة بين التقنية واقتصادياتها مثل ما حدث مع الحفر الأفقي وتقليل تكاليف استخراج النفط والغاز الصخري. كان الحديث عن ذروة العرض شاغلا للجميع حتى أنه وصل الهواجس السياسية. اليوم الحديث عن الذروة في "الطلب". الحديث ليس قديما وبدأ يأخذ اهتماما ملحوظا. النفط مهم بالنسبة لنا، ولذلك لا بد من معرفة ما يدور ومحاولة قراءة التطورات النفطية من خلال الحراك بين الذروتين. قبل عدة أسابيع أعلنت بلدية بكين أن التراخيص الجديدة للتاكسي ستكون فقط للكهربائية، وقبل أسابيع قليلة في ندوة نفطية في هيوستن ذكر رئيس شركة شيفرون أن الطلب العالمي يزيد بنحو مليون برميل سنويا. وتذكر شركات نفط أخرى مثل شل و«النرويجية» أن نهاية العقد المقبل قد تشهد ذروة الطلب ، بينما شرعت "إكسون موبيل" في استثمارات مؤثرة في النفط الصخري في تكساس، بينما أبدت «بريتش بتروليوم» اهتماما بالغاز من خلال عدة استثمارات في السنة الماضية. لكن جميع هذه الشركات تستثمر في الطاقة المتجددة ولكن بمبالغ ليست ضخمة على الأقل إلى حد الآن. يتوقع رئيس اقتصاديي «بريتش بتروليوم» أن يصل عدد السيارات الكهربائية في العالم إلى 100 مليون الذي بدوره سيقلص الطلب على النفط بمقدار 1.2 مليون برميل في اليوم في 2035. يقابل ذلك نمو الطلب على وقود الطائرات والصناعات البتروكيماوية، بينما يحل الغاز مكان الفحم لتوليد الكهرباء. سيارات الركاب تشكل 20 في المائة من الطلب اليوم وهذا ليس الجزء الحاسم في الطلب. يبدو أن التحليل يقود إلى أن الخوف من ذروة الطلب أكثر من ذروة العرض، ولكن كما أثبتت التجربة في ذروة العرض أن هناك من العوامل المعروفة وغير المعروفة ما يجعل قراءة المستقبل صعبة جدا. الفرق الأساس بين الذروتين أن الخوف من ذروة العرض في الغالب يصب في مصلحة الدول المنتجة بينما ذروة الطلب تتضمن تهديدا أكبر للدول المصدرة. كثيرا ما يذكر خبراء النفط أن المسائل التي فوق الأرض أهم وأصعب من المسائل التي تحت الأرض. العامل الحاسم في الآخر سيكون بين تزاوج التقنية مع الاقتصاد من ناحية والتذبذب بين الذروتين والتعامل معهما من خلال السياسات البيئية كما عبرت عنها اتفاقية باريس للحد من الانبعاثات وهواجس التغيرات البيئية والسياسية. النفط بالنسبة لنا ليس فضاء للنقاش الأكاديمي فقط ولكن مصدر المعيشة الأول ولذلك علينا الوعي بالمراحل الاقتصادية التي يمر بها النفط وليس فقط التذبذب في السعر نتيجة للدورات السلعية مهما كانت حادة. الدورات السلعية يمكن التعامل معها من خلال التعامل مع المالية العامة كما يحدث الآن وهي ليست سهلة ولكن التعامل مع الأمور الهيكلية أصعب وإن بدأت وكأنها بطيئة الحركة مقارنة بتذبذب السعر الاسمي. البطء في الحركة يأتي من خلال سعر النفط الحقيقي في المدى البعيد. فمثلا لو أخذنا سعر 41 للبرميل في 1981 فإن السعر الاسمي يجب أن يكون نحو 100 دولار قياسا على مجاراة التضخم، ولكن السعر اليوم أقرب إلى 50 للبرميل. السؤال المهم: هل السعر اليوم يشهد حالة دورية أم أن هناك تغيرا هيكليا؟ وهل ذروة الطلب عابرة أم أنها أُم التغيرات الهيكلية؟

مقالات الكاتب