الميزانيه العموميه للبنك المركزي ودورها كأداة في مراقبة وضبط عرض النقود .

 قد يبدو العنوان للقارئ طويلا ، لكن الفكره التي أرغب في توصيلها للقائمين على الشأن النقدي وللقراء هي التي فرضته .
 
   الميزانيه العموميه السنويه للبنك المركزي ليس ميزانيه تشغيله كميزانية أي شركه . صحيح انها تتكون - مثل أي ميزانيه - من خصوم وأصول ، وتتساوى فيها الاصول مع الخصوم ح/ رأس المال ، بيد أن ما يميز ميزانية البنك المركزي هو أنها تجسد وتعكس كل وظائف البنك التي يؤديها بإعتباره بنك الإصدار ، وبنك الدوله وبنك البنوك .
        والاهم من ذلك أنها تحوي بين بنودها على معادلة إستخدامات ومصادر القاعده النقديه (الأساس النقدي ) ، و يطلق عليها النقود ذات الطاقه العاليه التي تقف وراء التغيرات المضاعفه في عرض النقود والتي من خلالها يستطيع البنك المركزي أن يراقب ويضبط العرض النقدي بما يتوافق وأهداف سياسته النقديه المتبعه لجهة التناغم مع السياسه الماليه نحو تحقيق اهداف السياسه الاقتصاديه ككل .
 
   ذلك ما سنوضحه تباعا في موضوعنا هذا  .
 
 
 
 
                   اولا :
 
كيف نفهم وظائف البنك المركزي من وحي نصوص القانون رقم 14 لسنة 2000 بشأن البنك المركزي اليمني .؟
                     ----------------------------
 
      يطلق على البنك المركزي بنك الإصدار لأنه الجهه الوحيده التي تمتلك الحق القانوني الحصري بكل ما يتصل بالعمله من : تنظيم، طباعه، إصدار ، خزن  ، وسحب من التداول . وقد افرد القانون الباب الخامس منه لتناول كل ما يختص بالعمله و يحتوي على 8 مواد ( الماده 22 الى الماده 29 ) . نصت الماده (24) منه  الى أن:
( للبنك وحده حق إصدار العمله النقديه في الجمهوريه كما يكون له وحده حق سك العمله المعدنية  وتكون الاوراق النقديه  والمعدنيه التي يصدرها البنك هي العمله القانونيه في الجمهوريه . ) 
 
  وتنعكس هذه الوظيفه الحصريه التي يقوم بها البنك في ميزانيتة  في باب الخصوم تحت بند البنكنوت المصدر او العمله المصدره .
       
       كما خصص القانون الباب السادس لتناول العلاقات مع الحكومه والمؤسسات العامه وقد أحتوى على 7 مواد (الماده30- الماده 36 )، تعكس بمجملها الصفه التي اكتسبها البنك المركزي كبنك للدوله . نصت الماده (30) 1، 2 على أن ( البنك هو بنك الحكومه ووكيلها ومستشارها المالي  . )  (ويجوز للبنك أن يكون بنكا ووكيلا لأية مؤسسة عامه بموجب الترتيبات التي يتفق بشأنها مع المؤسسه . ) 
وشرحت الماده (31) الفقره - 1 - ما يحق للبنك أن يقوم به بصفته الوكيل المالي للحكومه وأية مؤسسه عامه ، ومن ذلك :
  - يكون محل الإيداع للحكومه أو المؤسسه العامه وأن يقبل الودائع ويقوم بعمليات الدفع نيابة عن الحكومه او المؤسسه العامه . 
  - يفتح ويدير حسابات رسميه وخاصه وفقا للترتيبات التي يتفق عليها بين البنك وبين الحكومه او المؤسسه العامه . 
  - يقوم نيابة عن الحكومه بمباشرة المسؤليات المتعلقه بالدين العام .
  - يتحصل عائدات النفط وأي ثروات طبيعيه أخرى . 
 
     و تتجلى في ميزانية البنك المركزي وظيفته كوكيل مالي للحكومه من خلال إحتفاظه وإدارته لموارد الحكومه المحليه
 ( ودائع الحكومه والتزاماتها ) ومواردها الخارجيه  ( العائدات من صادرات النفط والغاز والمنح والهبات والمساعدات والقروض من الدول المانحه ) وإدارة الاحتياطيات الدوليه ، التي تظهر في ميزانية البنك في باب الاصول . ويعنى بإعداد وثيقة ميزان المدفوعات  للبلد من خلال ادارته للمقبوضات والمدفوعات من والى الخارج  .
 
      أما من حيث دوره كبنك للبنوك  ، فيتجلى في الوظائف التي يؤديها المركزي تجاه البنوك . حيث يحتل البنك المركزي مكانة خاصه في أي نظام مصرفي في العالم . إذ  يشرف ويراقب ويدير مجمل النشاط المصرفي الذي تؤديه البنوك بكافة انواعها ( التجاريه ، الاسلاميه ، التنمويه ) . 
 
     لقد أفرد القانون الباب السابع منه لعلاقة المركزي مع البنوك والمؤسسات الماليه ، وقد أحتوى على 9 مواد ( الماده 37 - 46 ). بدء من منح الترخيص للبنوك بمزاولة العمل المصرفي ومرورا بفتح حسابات لها وقبول الودائع منها وتحصيل النقود وغيرها من الاستحقاقات النقديه لها وعليها .
والقيام  بتسوية الحسابات فيما بين البنوك ( دائن- مدين) من خلال إجراء عملية المقاصه فيما بينها . ( الماده 37 الفقرات 1،2،3،4 ). 
    كما يقوم البنك المركزي بوضع نسبة الاحتياطي القانوني على الودائع في البنوك بما يخدم أهداف سياسته النقديه وفي نفس الوقت لتأمين حقوق المودعين ، كما يقدم القروض المخصومه للبنوك متى ما أحتاجت لذلك، و إنتهاء بوضع اليد او سحب الترخيص على البنوك غير الملتزمه بالقواعد والتشريعات الناظمه للعمل المصرفي . 
     وتعكس ميزانية البنك المركزي أهم أوجه العلاقه بين البنوك والبنك المركزي في بند من بنود الخصوم ( ودائع البنوك ) وفي بند من بنود الاصول ( القروض المخصومه ) . 
 
    
      في الخلاصه ، يمكن القول أن أهمية الميزانيه العموميه للبنك المركزي تبرز من ذلك الدور المحوري الذي يؤديه البنك في النظام النقدي والمالي .فهو بمثابة القلب عند الانسان الذي يتدفق الدم منه واليه .فالبنك المركزي هو قلب النظام النقدي والمالي الذي تتدفق النقود  منه واليه عبر الحكومه والمؤسسات العامه وعبر الوسائط الماليه الأخرى ، والتي تدار بآليه تضمن التحكم  بعرض النقود وتوازنه مع الطلب عليها عبر إستخدام أدوات السياسه النقديه 
 غير المباشرة بما يتوافق وضمان الاستقرار النقدي الذي يعد دالة في منظومة الاستقرار الاقتصادي برمته . 
 
            ثانيا :
 
    كيف نفهم علاقة الميزانيه العموميه للبنك المركزي بمقدرته
 في التحكم بعرض النقود ؟ .
          --------------------------------
 
       لقد أولى المشرع اليمني هذا الأمر اهميه خاصه ، إذ جاء في القانون آنف الذكر في  الباب الثاني منه المكرس لتناول أهداف واختصاصات وصلاحيات البنك المركزي .
 ماده (5) :
1- الهدف الرئيسي للبنك هو تحقيق استقرار الأسعار والمحافظه على ذلك الإستقرار وتوفير السيوله المناسبه والملائمه على نحو سليم لإيجاد نظام مالي مستقر يقوم على آلية السوق .
  ثم يستطرد القانون في تناول الاختصاصات والصلاحيات المناطه بالبنك ، والتي من أهمها تحديد نوع نظام الصرف المتبع والمحافظه على استقرار سعر صرف الريال اليمني أمام العملات الاجنبيه ، وغيرها من الاختصاصات والصلاحيات التي أتينا على ذكرها بالتفصيل فيما سبق .
    
 
       قد يسأل البعض وما علاقة البنك المركزي بالمستوى العام للأسعار .؟؟ 
   قبل الإجابه عن ذلك ، جدير بالإشاره الى أن الصياغه المثلى للهدف الرئيس للبنك الوارده في الفقره 1 من الماده (5)، كان ينبغي أن تكون - من وجهة نظرنا - على النحو الاتي :
    الهدف الرئيسي للبنك هو توفير السيوله المناسبه والملائمه على نحو سليم لإيجاد نظام مالي مستقر يقوم على آلية السوق ويضمن تحقيق استقرار الاسعار والمحافظه على ذلك الاستقرار .
 
        من هنا يمكن ان تتجلى العلاقه ما بين إجمالي السيوله المحليه ( عرض النقود في الاقتصاد ) وهدف البنك في تحقيق إستقرار الاسعار ....الخ  .
 
      ولتوضيح العلاقه بين عرض النقود والأسعار نستأنس بتفسيرات النظريه النقديه  ، التي تشير في معظم صيغها بإختلاف مرجعياتها الفكريه  إلى وجود علاقه بين التغير في كمية النقود والتغير في المستوى العام للأسعار ، بيد أن الإختلاف في تفسير هذه العلاقه  بين المدارس الفكريه ينحصر في تحديد مقدار التناسب في التغير مابين كمية النقود والأسعار ، وهل هذه العلاقه محكمه في اتجاه واحد ، أم انها ممكن أن تكون متغيرة التأثير .
 
   ولكن دعونا من ذلك الآن ،  لنعد الى موضوعنا الأساس ونحاول توضيح الآليه التي من خلالها يستطيع البنك المركزي أن يضبط التغيرات في اجمالي السيوله المحليه ( عرض النقود) بما يستجيب للتغيرات في الناتج المحلي الاجمالي مع المحافظه على استقرار الاسعار .
 
    معروف أن الأطراف المشتركه في تكوين عرض النقود هي :
- البنك المركزي 
- البنوك التجاريه 
- الجمهور ( المودعون والمقترضون)
 
   ويستطيع البنك المركزي أن يؤثر في سلوك البنوك التجاريه لضبط التوسع في خلق النقود الذي يحدث في مجرى نشاط البنوك ، كما يستطيع أن يؤثر في سلوك المودعين تجاه تغير تفضيلاتهم بين الإحتفاظ بنقودهم كعمله أو ايداعها في البنوك .
    حيث يتسنى للبنك المركزي التأثير على سلوك البنوك التجاريه والجمهور عبر إستخدامه لأدوات السياسه النقديه غير المباشره ( نسبة الإحتياطي القانوني على الودائع ، السوق المفتوحه وسعر الخصم ) ، من خلال التحكم بالقاعده النقديه التي تقع تحت سيطرته ، بل وتعتبر صنيعته ،  إذ توجد عناصرها ضمن بنود الخصوم في ميزانية البنك المركزي ، ( العمله المصدره ودائع البنوك لدى البنك المركزي ). الأمر الذي  يمكنه من التحكم  بها للتأثير في عرض النقود  على وفق أهداف السياسه النقديه المرجوه التي يجب أن تتناغم مع بقيه السياسات لتحقيق اهداف السياسه الإقتصاديه المرسومه . 
 
    
 
  وتتجسد العلاقه بين القاعده النقديه ( Bm) وعرض النقود بالمفهوم الواسع ( M2 ) عبر مضاعف النقود (m )
بحيث : 
      
   
 
      M2 =m × Bm
 
   
 
  علما بأن مضاعف النقود هو مؤشر يقيس التغيرات الناجمه في عرض النقود الناتجه عن التغير في القاعده النقديه .
              
 
            m =M2 ÷Bm
 
     ويمكن إستنباط معادلة القاعده النقديه من ميزانية البنك المركزي لأحد الأعوام  وذلك على النحو الآتي :-
 
ميزانية البنك المركزي 
    اليمني لعام 2013 (مليار ريال)
 
الأصول
-----------
                                         
الأصول الخارجيه  1149.4
المستحقات على
الحكومه.               706.0
المستحقات على 
المؤسسات العامه.   265.7
المستحقات على
البنوك.                  
أصول ثابته واخرى 13.3
اجمالي الاصول.      2134.4
 
 
الخصوم
------------
                                       
العمله المصدره.      821.6
ودائع البنوك .         276.1
ودائع الحكومه.        121.3
ودائع المؤسسات 
العامه.                     81.4
ودائع مؤسسات 
الضمان.                   18.0
الالتزامات الخارجيه 267.9
خصوم أخرى.          548.1
 
اجمالي الخصوم.       2134.4
 
  يمكن أن نستخلص معادلة القاعده النقديه من ميزانية البنك المركزي ، وذلك على النحو التالي :-
 
  بما أن الخصوم = الأصول 
فإنه يمكن القول بأن مصادر (مكونات) القاعده النقديه كطرف أيمن للمعادله = استخدامات القاعده النقديه كطرف أيسر للمعادله .
  ولما كنا قد أشرنا فيما سبق بأن مكونات القاعده ( مصادرها) موجوده في ميزانية البنك المركزي وهي عباره عن : العمله المصدره ودائع البنوك ، فإنه يمكن القول بأن :
العمله المصدره ودائع البنوك = كافة بنود الاصول في الميزانيه (ناقصا) بقية بنود الخصوم .وتكون المعادله المستنبطه من ميزانيه المركزي في الخلاصه على هذا النحو :
العمله المصدره ودائع البنوك = صافي الاصول الخارجيه صافي المستحقات على الحكومه صافي المستحقات على المؤسسات العامه ناقص ودائع الضمان الاجتماعي صافي الأصول الأخرى .
وبالتطبيق من وحي بيانات ميزانية البنك المركزي لعام 2013 نجد أن :
1097.7 = 881.5 584.7 184.3 - 18.0 (- 534.8 ).
 
 
 
     مما تقدم يتأكد لنا أن البنك المركزي بدون وضع ميزانيه عموميه تعكس نشاطه النقدي ، وتمكنه من رسم وادارة السياسه النقديه الملائمه فإنه لا يستطيع أن يحقق اهدافه  المنصوص عليها في قانونه ، والمتمثله بدرجه أساسيه بضمان استقرار القيمه الشرائيه للريال  ( أي ضمان استقرار اسعار السلع والخدمات ) وضمان استقرار سعر صرف العمله المحليه أمام العملات الاجنبيه .مع تأمين معدل نمو لاجمالي السيوله المحليه ( المعروض النقدي ) يتماهى مع معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي لخلق استقرار نقدي مستديم يكون مقدمه ضروريه لبدء معافاة الاقتصاد .
     
وجدير بالاشاره ان السياسه النقديه لن تؤتي ثمارها مالم تترافق مع سياسه ماليه متناغمه معها . الامر الذي يتطلب بالضروره  من وزير الماليه وضع تقديرات لموازنه عامه تضمن توريد مستحقات الدوله الضريبيه والمنح والمساعدات وعائدات النفط المصدر - بمحدوديتها -  لحساب الحكومه  في البنك المركزي  وان لايتم الصرف منها اطلاقا الا وفق القواعد والاسس المنصوص عليها في القانون المالي . 
 
    لقد حان الوقت لكي يستعيد وزير الماليه ومحافظ البنك المركزي زمام المبادرة في المعترك الاقتصادي والاستئناس بأراء الاكاديميين والخبراء في هذا المضمار،  بدلا من الانكفاء على الذات والاكتفاء بإتخاذ إجراءات من قبيل ردود الفعل لما يتخذه الطرف الأخر غير الشرعي .
 
 
 

مقالات الكاتب