اقتصادنا في ابداعنا

من الوظائف المطلوبة من الانسان في الارض: إعمارها. ولا يكون إعمار بدون ابداع.
فلولا الإبداع لبقي الإنسان بدائيا في مأكله ومشربه، بدائيا في اتصالاته ومواصلاته وبدائيا في دخله ورفاهيته.


يحكى أن رجلا في أحد المطاعم أراد سكب الكاتشوب من العلبة التي أحضرها النادل، فاستصعب ذلك لالتصاق الكاتشوب في العلبة، فكر لماذا لا تصنع علبة مقلوبة لكي يتم سكب الكاتشوب منها فور فتحها.
وفعلا نفذ الفكرة وحصل على براءة هذا الاختراع ليبيعه لاحقا لشركات كثيرة مقابل أموال طائلة.


إبداع بسيط يعد مساهمه بسيطة في رفاهية الانسان، جعلت من صاحبنا مليونيرا وصاحب شركة تشغل مئات العمال.
هذا التفكير الإبداعي وهذا التفكير خارج الصندوق أساسا من أسس تطور وهيمنة اقتصاد مجتمع معين.
اعتبرت مدينة معينة مركزا للإبداع في العالم اذا كان اكثر من ربع ابداعات العالم تخرج منها .


انتقل هذا المركز من دمشق ثم بغداد ثم قرطبة ثم تأخر العالم العربي والاسلامي في هذا، وانتقل مركز الابداع الى اوروبا في البندقية ثم لندن ثم باريس ثم برلين والآن في نيويورك.
اكثر من 50% من إبداعات العالم تخرج من الولايات المتحدة ولا عجب ان اقتصادها هو الاقتصاد المهيمن عالمياً.
واقعنا الآن اننا نشتري كل ابداع جديد ولا نبدع أي جديد وبالتالي نحن تابعون اقتصاديا متأخرون حضارياً.


التفكير الإبداعي قد يبدأ بفكرة خيالية او فكرة غير منطقية، عندما فكر الإنسان بالطيران كان الأمر خيالاً وعندما فكر بفاكهة الصيف في الشتاء كان الأمر غير منطقي.
التفكير خارج الصندوق وخارج نطاق المألوف هو القاعدة الاساسية لنمو التفكير الابداعي وهو –باختصار- الإتيان بجديد مفيد منتجاً كان او طريقة عمل او طريقة تفكير.
هذا التفكير الإبداعي في بعض الدول كاليابان وألمانيا طور اقتصاداً رائداً رغم قلة الموارد الطبيعية فما تنتجه آلاف الدونمات الزراعية في الدول النامية تنتجه عشرات الدونمات في المانيا وما ينتجه عشرات العمال في بعض دول افريقيا ينتجه عامل واحد في اليابان.


ما تسوقه شركات الكوكا كولا والماكدونالز اضعاف ما تسوقه باقي شركات المشروبات والاطعمة وذلك بسبب الابداع في طرق التسويق.
يحكى ان ثرياً ذهب الى بنك في مدينة نيويورك وطلب قرضاً بمبلغ خمسة آلاف دولار ورهن كضمان سيارته الفاخرة.
وفعلا وضعت السيارة في الموقف الخاص بالبنك. سافر صاحبنا في رحلة مدتها شهر ليعود فيسدد مبلغ القرض مع فائدة قدرها خمسة عشر دولار، استغرب الموظف منه، كيف يرهن سيارة باهظة الثمن مقابل مبلغ بسيط كهذا، اجابه صاحبنا أين اجد موقف سيارة مع تأمين كامل لسيارة كهذه في نيويورك بمبلغ خمسة عشر دولارا.
ان هذا التفكير يجب ان يتعوّد عليه الطفل منذ سنواته الأولى في البيت والتلميذ منذ دراسته الابتدائية.


تعويده على اعتماد أساليب الاستقراء والتجربة اكثر من أساليب التلقين والحفظ.
تعليمه أن ما كان خيالا أصبح واقعاً وأن الفكرة قد تكون لأول الأمر غير منطقية ولكن بالتفكير الابداعي ممكن تحقيقها مما يساعد في رفاهية الفرد والمجتمع.
وبقدر نمو هذا الفكر في مجتمع ما، بقدر ما تطور اقتصاده وبالتالي شاهديته على باقي المجتمعات.
قد يكون التفكير الابداعي والمختلف ابسط مما نتصور:
فمثلاً واجه رواد الفضاء صعوبة الكتابة في الفضاء نظراً لانعدام الجاذبية وعدم نزول الحبر الى رأس القلم.


ماذا كان الحل؟!
بسيط جدا: استعمال قلم الرصاص.
إن أكثر ما يقتل الفكر الإبداعي هو قناعة الطالب او إقناعه انه غير قادر على الابداع وان الامان في السير بما توافق عليه الناس وبما اقتنعت به الاكثرية.
يحكى ان طالبا نام في احدى محاضرات الرياضيات، لمّا استيقظ نظر الى السبورة فوجد ان المحاضر قد كتب مسألتين.
ظن صاحبنا انها وظيفة بيتية، نسخ المسألتين وعاد الى بيته ليظل يفكر ويبحث طيلة ليله حتى حل إحداهما.
في الدرس اللاحق قدم حله للمحاضر، استغرب المحاضر من ذلك قائلا: ولكنني لم اطلب حلهما، لأن هاتين المسألتين مثالا لأسئلة عجز العلم عن حلها.
قال له صاحبنا: ولكني وجدت حل أحداهما
أدرك المحاضر ان عجز الطلاب عن حلهما هو لقناعتهم التي اكتسبوها بأنهم لا يستطيعون ذلك ولكن الحقيقة هي غير ذلك ولو حاولوا لكان باستطاعتهم حلها.


كي نطور هذا الفكر في مجتمعنا يجب اولاً:
العمل كي يمتلك طلابنا هذه الملكة وذلك بتدريبهم على طرح افكار لاستعمالات غريبة لنفس المنتج (كالتفكير مثلا باستعمال الماء كمصدر للطاقة او استعمال طاقة الشمس كمصدر للضوء في الليل) وتدريبهم على إعطاء حلول كثيرة لنفس السؤال ونفس المشكلة.
ثانيا: الاستثمار في البحث العلمي ان كان على مستوى الشركات او المصالح التجارية او على مستوى اقتصاد دولة.
حوالي 2.6% من الناتج المحلي الألماني ذهب للبحث العلمي، وفي سنة 2009 قامت الشركات الالمانية بتسجيل حوالي 11% من براءات الاختراع في العالم.
قال وارن بافيت الذي كان ثاني اغنى رجل في العالم:
"اشعر بالقلق من هؤلاء الذين يوافقون على كل ما اقول بدون تفكير. الطريق الاكثر نجاحاً هو دائما الطريق الذي تسلكه الاقلية، احرص دائما على الطريق المستقل".

 

من موقع/ اعمار الاقتصادي