قواعد إصدار النقود

 مفهوم إصدار النقود. 
               --------------------------------
 
       من المدرك أن عملية إصدار النقود الورقيه القانونيه من صميم مهام البنوك المركزيه . بل يمكن القول أن ظهور البنوك المركزيه كان قد أرتبط أصلا بالقيام بهذه الوظيفه .
 
  وينصرف مفهوم إصدار النقود الى عملية يقوم بها البنك المركزي  ( أو أي سلطه نقديه في البلد المعني ) ، من خلال تحويل بعض من الأصول الحقيقيه  (نقديه أو شبه نقديه ) التي تمتلكها الدوله وتظهر في الميزانيه العموميه للبنك المركزي كأصول خارجيه ، إلى وحدات نقد قانونيه يضخها في السوق للتداول بصورة مدفوعات حكوميه ( نفقات )لقاء أجور ومرتبات موظفيها ومشترياتها من السلع والخدمات .
 
   وتستند عملية إصدار النقود - منذ أن بدأ الانسان بإستخدام النقود المعدنيه ومن بعدها الورقيه  كوسيط في التبادل وأداة للقيمه  والى يومنا هذا - على قواعد معينه تعددت وأختلفت بإختلاف نوع النقود المستخدمه وتطور النظم النقديه ونظم تسوية المدفوعات .
 
 
 
    ويشير مسار التطور التاريخي للنظم النقديه أن التشديد على إتباع نظم وقواعدللاصدار ،  تلبي مقتضيات تسهيل المدفوعات النقديه وتهدف الى المحافظه على قيمة العمله المحليه داخليا ( عدد السلع والخدمات التى يتم شرائها بوحده واحده من النقد المستخدم )، وكذا المحافظه على سعر صرفها مقابل العملات الاجنبيه  ، كان قد بدأ بعد عزوف الدول عن إتباع النظم النقديه التي أعتمدت النقود المعدنيه كنقد اساسي للتداول (قاعدة الذهب ، قاعدة الفضه ، قاعدة المعدنين ) - لأسباب كثيره لسنا بصددها في هذا الموضوع - والإنتقال الى النظام النقدي الورقي ( الإستعاضه عن النقود المعدنيه  بإستخدام النقود الورقيه القانونيه) .علما بأن النقود الورقيه في بداية ظهور التداول بها وقبل أن تتحول الى نقود قانونيه ( إلزاميه ) تصدرها السلطات النقديه في الدول كان يطلق عليهاالنقود الورقيه النائبه و كانت تستخدم في آن واحد مع النقود المعدنيه في فتره متأخره من سيادة النظم النقديه المعدنيه .
 
 
 
   غطاء إصدار النقود 
                  -----------------------------
 
      عرف التاريخ النقدي منذ ظهور النقود الورقيه القانونيه عددا من نظم الإصدار ، كان من بين أبرزها وأكثرها شيوعا النظم التاليه :-
 1- نظام الإصدار  المقيد بالغطاء الذهبي 
 
    وقد ظهر هذا النظام بثلاثة صور :-
 
أ - صورةالغطاء الذهبي الكامل .
حيث كان يتم تغطية الاصدار النقدي الورقي 100 بالمئه بالذهب .
ب - صورة الحد الأقصى المعفي من الغطاء . وأطلق عليه ايضا الإصدار المتدرج . حيث كان يتم الإصدار بالغطاء الذهبي الكامل ولكن بعدحد أقصى من اصدار النقود بدون غطاء . حيث يتم تحديد سقف للإصدار بدون غطاء ذهبي ، مازاد عنه يلتزم البنك المركزي بتغطيته كاملا بنسبة 100 بالمئه .
ج - صورة الغطاء المزدوج .
حيث كان يتم تحديد نسبة معينه من الغطاء الذهبي لتغطية حجم معين من الإصدار . بينما يخضع الجزء المتبقي من الإصدار لعناصر غطاء أخرى .
 
2- نظام الإصدار المقيدبسلطة البرلمان .
- يتم تحديد حد أقصى لإصدار النقود الورقيه دون الحاجه الى غطاء بالذهب .
- إذا كان هناك حاجه لاصدار كميه تفوق الحد الأقصى فيجب الحصول على تصديق البرلمان على ذلك .
 
3 - نظام اﻹصدار الحر .
 في ظل هذا النظام تم التوقف كليا عن إستخدام الذهب في غطاء الإصدار لا كامل ولاجزئي وإنما يتم إصدار النقود وفق الظروف الإقتصاديه ( رواج ، ركود ).
 
    بيد أن هذا النظام أفرز إختلالات كبيره أدت الى إنخفاض قيمة النقود في معظم بلدان العالم مع مرور الزمن ، الأمر الذي حدى بالبنوك المركزيه الى ترشيد مفهوم حرية الإصدار عبر إتباع آليات تضبط  عملية الإصدار النقدي وفق قواعد جديده أبتدعت من خلال التأصيل النظري الذي ساهمت به المدرسه النقوديه بريادة الاقتصادي الامريكي ميلتون فريدمان ، الذي قال بأنه لا ضير من زيادة عرض النقود عبر الإصدار النقدي الجديد شريطة ان  يتساوى معدل الزياده في عرض النقود مع معدل الزياده في الناتج المحلي  الإجمالي الحقيقي . بحيث يكون قسمةالأول على الثاني ( معامل الإستقرار النقدي ) يساوي واحد صحيح . وبذلك يحافظ البنك على إستقرار اﻷسعار الذي يعد هدفه الأساس . أما اذا كان ناتج القسمه يفوق الواحد صحيح فإن هذه الزياده تنذر ببروز ظاهره التضخم و اذا ابتعد العدد كثير عن 1 فإن التضخم آت لا محاله . والعكس ، فيما إذا كان ناتج القسمه أقل من الواحد الصحيح فإن ذلك يشير الى الأنكماش .
 
    من جانب آخر ، معروف في الإقتصاد النقدي أن البنك المركزي يقوم من خلال اﻹصدار النقدي بمبادلة الحكومه من ايراداتها بالنقد الأجنبي (الأصول الخارجيه في ميزانيته )بعمله محلية مصدرة (كخصوم في ميزانيته ) لقاء مدفوعاتها إضافه الى توفير السيوله للبنوك التجاريه بإعتباره اولا الوكيل المالي للحكومه ويدير مواردها ( إيرادا وإنفاقا) وبإعتباره كذلك بنك البنوك الذي يجب ان يؤمن للبنوك السيوله المصرفيه اللازمه . 
  من هنا جرت العاده أن لايقوم البنك المركزي بإصدار أي كميه من النقود كيفما شاء وبأي كميه شاء الا اذا توفرت لديه من صافي الأصول الخارجيه ما يمكن ان يكون خط دفاع أولي لقيمة العمله من الإنهيار فيما إذا زادت كمية الاصدار عن حجم السلع والخدمات المتداوله في السوق وعن حجم صافي الأصول الخارجيه .
 
   علما بأن  الأصول الخارجيه للبنوك المركزيه وإن اختلفت فيما بين البنوك من حيث مكوناتها الا انها في غالب الأحوال تتكون من العناصر التاليه  :- 
    - الذهب النقدي .
     - العملات الأجنبية القابله للتحويل ( الدولار ، اليورو ، الين ، الجنيه الاسترليني ..) .
     - الاوراق الماليه الدوليه ( أذون الخزانه الأميركية والأوربيه و، والسندات الدوليه ... ) 
       - وحدات حقوق السحب الخاصه . 
      - موقف الدوله في صندوق النقد الدولي . 
   
   وتتمتع عناصر الأصول الخارجيه للبنوك المركزيه بدرجة سيوله كامله وعاليه بحيث تكون قابله للدفع في أي لحظه لقاء مدفوعات الدوله مع الخارج .
 
 
الفرق بين طباعة
------------------------
النقود وإصدارها  
-----------------------
 
 
 
 
    بقي أن نشير الى ضرورة التمييز بين عمليتي طباعة النقود وإصدار النقود . فليس كل كميه يتم التعاقد على طباعتها مع مطابع عالميه متخصصه يقوم البنك المركزي بإصدارها حال وصولها . كما انها ليست كلها مخصصه للإصدار الجديد في عام واحد .
  فالكميه المطبوعه في الغالب تكون لثلاثه أغراض :- 
       - جزء للإصدار الجديد . وهذا الجزء منه مايذهب للتداول بيد الجمهور عبر مدفوعات الحكومه لرواتب موظفيها  وللمشتريات الحكوميه .  وهو الذي  يزيد من كمية النقود الورقيه في التداول ( عرض النقود ) ويؤثر على قيمة العمله المحليه في حالة الزياده المفرطه . أما الجزء الاخر من النقد المصدر فيذهب الى خزائن البنوك التجاريه لتوفير السيوله المصرفيه لها ويقوم البنك المركزي بخصمه من ودائعها لديه . وهذا الجزء لا يدخل ضمن مكونات عرض النقود ، إذ أنه
يعتبر من مجموع الإحتياطيات المصرفيه 
 
 - جزء من النقود  المطبوعه يخصص لغرض الإحلال . أي إستبدال الاوراق النقديه التي تلفت وفقدت معالمها بأوراق نقديه جديده ومن نفس فئاتها . وهذا الجزء لا يزيد من عرض النقود وبالتالي لا يؤثر على قيمة العمله مهما كانت كميته شريطه ان تسحب النقود التالفه من التداول ويتم احراقها او تمزيقها الى قصاصات صغيره جدا بإستخدام آلات صنعت لهذا الغرض .
       
       - الجزء المتبقي من كمية النقود المطبوعه المستلمه ،  يتم خزنه بطرق خاصه تحفظه من أي عوامل تلف او إهتراء في خزائن البنك المركزي ، الى حين حاجة الإقتصاد الى كميات إضافيه من الإصدار النقدي .
 
 
 
        للحديث بقيه سنتناول فيها تحليل بيانات النشاط النقدي في هذا الجانب من وحي تقارير البنك المركزي اليمني .
 
  أ. د/ محمدعمرباناجه

مقالات الكاتب