مصلحة الدول فوق المنافسة الضيقة

إن عجز الحكومات عن تلبية حاجات الناس وإسعادهم لا يعكس واقعاً اقتصادياً بقدر ما يؤشر إلى أن تلك الحكومات تعيش حالة مريرة من التردي والفشل الإداري، بل وتغرق فيه حتى أذنيها . . الدول الكبرى ذات الاقتصاد الهائل والموازنات الضخمة، لم تكن بهذه القوة والنفوذ في السابق، فالولايات المتحدة تلك القارة النائية التى كان يقطنها قديماً الهنود الحمر وحفنة من المجرمين المبعدين، تقود العالم حالياً، والقارة العجوز برغم الصراعات الدينية والعرقية والحروب الداخلية التى مزقت أوصالها وفتت من عضدها وأنهكتها، تمكنت في نهاية المطاف من إرساء أنظمة حققت لشعوبها الحياة الكريمة والكرامة .
المؤسف في الأمر أن بعض الحكومات استمرأت الفشل واللامبالاة نحو شعوبها ولم تعد تجزع من أي حدث مهما كان جللاً أو تمتعض من طعم الفشل أو مرارة الإخفاق .
أذكر أن رئيساً لإحدى الدول العربية كان يشاهد مباراة كرة قدم، وأثناء اللعب بلغه خبر غرق سفينة على متنها1300 شخص، ورغم ذلك استكمل مشاهدة المباراة حتى الوقت بدل الضائع، وانطلق عائداً إلى قصره ليتابع الحادث تلفونياً بعد ساعات من وقوعه، بينما حادث الاعتداء على مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية الذي جرى منذ أيام في باريس، وراح ضحيته 12 فقط -بمنطق الدول النامية أن عدد الضحايا قليل- انتقل الرئيس هولاند إلى موقع الحادث على الفور، وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ، وأطلقت غرفة لمتابعة الأحداث كما تم نشر 80 ألف شرطي في أنحاء باريس، ولم تشمل حالة الاستنفار الحكومة والمسؤولين الحاليين، بل ذهب الرئيس السابق ساركوزى إلى قصر الاليزيه ليدرس التدابير اللازمة مع منافسه السابق هولاند ناسياً كل الخلافات السياسية واختلاف الأيدلوجيات الحزبية مغلباً مصلحة فرنسا فوق المنافسات الضيقة .

معظم حكومات الدول النامية ليست فقيرة كما تدعي أو معوزة إلى مستوى أن ينام الناس في شوارعها أو تحت جسورها، في الوقت الذي تتجاوز فيه مواكب رؤسائهم ال 30 سيارة من أفخم الماركات في العالم . . لقد أصبح لسان حال بعض الحكومات أن الشعب يجب أن يساند الدولة، وأن ينقذ نفسه أيضاً من الجوع والفقر والمرض، واختزلت دورها في التمثيل الرسمي أمام الدول، وبعض الإصلاحات الطائشة التي لا تعتمد على خطط ولا رؤى من باب ذر الرماد في العيون.

 

"نقلا عن الخليج الاقتصادي"