قنبلة في فمك

أمراض ظهرت فجأة في قرون مضت لم يعرف لظهورها سبب، يلفها الغموض وتحيط بها الغرابة، سببت الرعب في الناس، والوفاة أو التشوهات للمصابين بها. هل تتخيل يوما أن تسمع صوت انفجار ويكون مصدره فمك؟ نعم قنبلة تنفجر في فمك، لن تدمرك، ولكنها ستخلصك من العذاب والألم، هذا ما حدث في القرن الـ 18 الميلادي، وأول مريض ظهرت عليه أعراض ذلك المرض الغريب كان يعاني ألما حادا في الأسنان، لم ينفع معه علاج الأطباء، ولا محاولات المريض اليائسة لتخفيف الألم بممارسة الجري تارة ووضع رأسه في ماء بارد تارة أخرى، أو بضرب قدميه بالأرض من شدة الألم، ولكن دون جدوى، وفجأة اختفى الألم بعد أن سمع وشعر بانفجار في فمه أشبه بطلقة مسدس، فقد انفجرت إحدى أسنانه، وهذا ما جعل الألم يختفي، فما سر هذا الانفجار؟ وكيف حدث؟ لم يجد الباحثون أمامهم سوى الربط بين الانفجار ونوعية الحشوات التي كانت تستخدم قديما في الأسنان مثل "الرصاص، القصدير والفضة"، ويعتقدون أن الفم قام بتصنيع ما يشبه القنبلة اليدوية نتيجة تفاعل مواد الحشوات مع غاز الهيدروجين، الذي قد يوجد في فجوات الأسنان نتيجة سوء تقنيات عمل الحشوات في ذلك الوقت. وإذا حدثت شرارة كهربائية بسيطة لأي سبب تفاعلت المكونات التي يحميها غلاف السن لتنفجر الأسنان وبعدها يختفي الألم، وهذا ما حدث لأكثر من حالة وتسببت في تشوهات للوجه والأسنان. ولو سئلت عن أسوأ فندق ممكن أن تسكنه، فبماذا ستجيب؟ ستتنوع إجاباتك بين عدم توافر الخدمات به، ورائحة الممرات الكريهة، وقربه من المناطق المزعجة، وقس على ذلك، ولكن ماذا لو كان سكنك في هذا الفندق سببا في وفاتك؟ في عام 1850، عانى كثيرون ممن سكنوا الفندق الوطني في واشنطن أعراضا غريبة عدة سنوات، مثل بلع اللسان، والتهاب الأمعاء الغليظة، إعياء شديد وإسهال، ولم يفرق المرض بين نزيل عادي أو سياسي بارز ممن سكنوا الفندق، فقد يعاني المريض هذه الأعراض شهورا أو سنوات، وقد لا يشفى منه أبدا ويقضي عليه، حيث قتل المرض الذي عرف فيما بعد بـ"مرض الفندق الوطني" 40 شخصا على الأقل، أبرزهم الرئيس الأمريكي الـ15 "جيمس بيوكنان"، وإلى اليوم لم يعرف أحد سببا لذلك الوباء، فمنهم من قال إنه بسبب تلوث الهواء، وآخرون قالوا بسبب الجرذان أو بسبب قدور الطبخ غير الملائمة، ومنهم من جزم بأن العبيد العاملين في الفندق هم من يقومون بتسميم النزلاء، وبين هذه وتلك ضاعت الحقيقة.

 

مقالات الكاتب