أسواق النفط لديها مشكلة في التوقعات

إن التنبؤ بنمو إنتاج النفط هو في أحسن الأحوال لا يتعدى كونه مجرد توقع، ولكن تداعياته خطيرة على الأسواق. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، على سبيل المثال، عندما اجتمع وزراء منظمة أوبك في فيينا لتقييم أسواق النفط ووضع استراتيجياتهم لإعادة التوازن بين العرض والطلب، البيانات في حينها كانت تبشر بقرب إعادة التوازن. حيث أشار التقرير الشهري للمنظمة إلى أن المعروض من خارج منظمة أوبك في 2018 سيرتفع بمقدار 870 ألف برميل في اليوم فقط، والاستهلاك العالمي سيزيد بمقدار 1.53 مليون برميل يوميا. وتوقع التقرير أيضا أن يصل الطلب على نفط المنظمة في عام 2018 إلى 33.4 مليون برميل يوميا، أي أكثر من 800 ألف برميل في اليوم مما كانت المنظمة تنتج. ومن شأن تمديد آخر في التخفيضات أن يخفف من ارتفاع المخزون ويؤدي إلى تحقيق التوازن بين العرض والطلب.
لكن بعد ثلاثة أشهر من ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي تغيرت التوقعات بالنسبة إلى "أوبك" وأسواق النفط. لذلك، مرة أخرى، لم تكن البيانات والمراجعات صغيرة. حيث قال تقرير سكرتارية المنظمة لشهر شباط (فبراير) إن المعروض من خارج دول أوبك لهذا العام سيرتفع الآن بمقدار 1.4 مليون برميل يوميا. وقد أوجد هذا التنقيح فجوة بمقدار 530 ألف برميل يوميا في ميزان العرض والطلب الذي كانت تستخدمه المنظمة في تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم لاتخاذ قرارها.
هذا الوضع ليس بالجديد على المنظمة فقد مرت به من قبل ــ كثيرا ما أخطأت المنظمة في تقدير نمو المعروض المستقبلي من المنتجين الآخرين، ما أجبرها على مراجعة التوقعات بعد ذلك. لكن منظمة أوبك ليست الجهة الوحيدة التي تكافح من أجل الحصول على بيانات دقيقة التي تتغير بسرعة. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) كانت توقعات وكالة الطاقة الدولية بخصوص إمدادات النفط من خارج "أوبك" في عام 2018 أقل بنحو 300 ألف برميل يوميا من توقعاتها الحالية البالغة 1.7 مليون برميل يوميا. في تشرين الثاني (نوفمبر) أيضا، قالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن الإنتاج الأمريكي سيصل إلى 9.9 مليون برميل يوميا في عام 2018. لكن الإدارة عادت الآن ورفعت هذا الرقم بمقدار 700 ألف برميل يوميا ليصل إلى 10.6 مليون برميل يوميا. وتعتقد أن المعروض من خارج دول أوبك هذا العام سيرتفع بمقدار 2.35 مليون برميل يوميا، في حين في تشرين الثاني (نوفمبر) كانت تتوقع 1.52 مليون برميل يوميا.
تحميل الجهات المسؤولة عن إجراء التوقعات جميع الإخفاقات غير عادل بالمرة. حيث إن الأسواق تتوقع أرقاما منهم، وتقوم هذه الجهات بعمليات حسابية استنادا إلى البيانات التي في حوزتهم في ذلك الوقت. الدقة المطلقة مستحيلة في أسواق غير كاملة. على سبيل المثال، لم يتوقع أي أحد، باستثناء أكثر المتفائلين بخصوص نمو إنتاج النفط الصخري، أن تضيف الولايات المتحدة 1.23 مليون برميل يوميا من العرض خلال ثلاثة أشهر فقط "أيلول (سبتمبر)، تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر)". كما أن تقرير "أوبك" الشهري، على وجه الخصوص، لديه وفرة من البيانات والتحليلات الاقتصادية يستحق المديح الذي يحصل عليه.
وإذا كان جانب العرض في معادلة التوازن عرضة للتقلبات، فإن توقعات الطلب غالبا ما تكون غير موثوق بها أيضا. على سبيل المثال، من مقارنة التوقعات التي تم إجراؤها من قبل الوكالات الرئيسة الثلاث في شهر كانون الأول (ديسمبر) للأعوام من 2013 إلى 2016 لنمو الطلب للسنة التالية، نلاحظ أنها أخفقت في أحيان كثيرة في توقع نمو الطلب وكانت دائما التقديرات منخفضة. المستهلكون، مثل شركات النفط الصخري، من الصعب التنبؤ بسلوكهم.
وبالنسبة لعام 2018، فإن نطاق توقعات نمو الطلب أمر مذهل. حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.4 مليون برميل يوميا. في حين رفعت منظمة أوبك في شباط (فبراير) من هذا العام توقعاتها إلى 1.59 مليون برميل يوميا. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن ينمو الطلب بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا. من جهة أخرى، تتوقع شركة "بيرا"، المملوكة لشركة "بلاتس"، نموا قدره مليوني برميل يوميا.
كيف يمكن للمتعاملين في السوق التخطيط إلى الأمام عندما تتباعد توقعات الوكالات بصورة كبيرة؟ فباستخدام توقعات الطلب من "بيرا" وتوقعات "أوبك" لنمو الإمدادات من خارج دول أوبك على سبيل المثال، سنحصل على عجز كبير في العرض العالمي في عام 2018. ولو استخدمنا توقعات الطلب من وكالة الطاقة الدولية وتوقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لنمو الإمدادات من خارج دول "أوبك"، سنحصل على فائض كبير في العرض لهذا العام.
التحيز لجهة معينة، هو عدو للتحليل، فقد ننجذب إلى الأرقام التي نفضلها. أين نعيش قد يكون له تأثير في قرارنا أيضا. على سبيل المثال، إذا كنت تعيش في مدينة فيها أعداد كبيرة من السيارات الكهربائية، أو إنك اشتريت واحدة أخيرا، فإنه من الصعب أن تعتقد في قوة نمو الطلب على النفط. لكن إذا كنت في زحمة المرور في مقاطعة قوانجدونج في الصين أو تقود شاحنة ديزل ثقيلة مثل دودج رام 3500، فسيكون لديك تصور مختلف تماما عن نمو الطلب على النفط.
تباين الآراء مهم. وكما يظهر مثال تشرين الثاني (نوفمبر)، يتعين على المنتجين وضع سياسة تستند الآن إلى أرقام يمكن أن تتقادم في غضون بضعة أشهر. العرض الهامشي مثل النفط الصخري على وجه الخصوص، يتفاعل مع أسعار النفط بسرعة بحيث لا يمكن للتوقعات المستقبلية مواكبة ذلك. لننس العوامل الجيوسياسية، بيانات أسواق النفط وحدها ــ وعديد من التنقيحات التي ستخضع لها ــ هي كافية لتوليد التقلبات في الأسعار هذا العام.

مقالات الكاتب