وقفة مع تعليمنا وثقافتنا الأجتماعية .

في عالمنا المعاصر..تداخلت أمور كثيرة ، وتشعّبت فيها دروبنا ، فالأصل أن المجتمع الانساني مجتمع متطور ، متحرك ، تتسارع وتيرة حركته لتضرب كل جوانب الحياة .
 
لكن مع ذلك تبقى هناك مسألة مهمة جدا ، هذه المسألة تتعلق بجوهر ومضمون هذا التحرك الانساني ، حتى وان بدت هذه المسألة غير مهمة للبعض !
المسألة هي المعرفة  أو لنقل (القراءة) فهي من أهم وسائل المعرفة !
 
ماذا نقرأ؟ مانوع الكتب التي يجب ان نقرأها؟ وكيف لاجيالنا (اولادنا)ان يعلموا مانوع الكتب التي يجب ان يقرأوها كرديف للمنهج الدراسي او لنقل لتصحيح مسار حياتهم ، وغرس الثقافة العلمية الأصيلة فيهم !
 
الحقيقة ان وسائل المعرفة في هذا العصر متاحة لمن أراد ، وتكنولوجيا المعلومات كنتاج للمعرفة اصبحت ايضا هي الاخرى وسيلة كبرى من وسائل المعرفة ولايمكن لأحد ان ينكر ذلك !
لكن أكرر ما الذي علينا ان نقرأ ؟!
 
كتب ومصنفات عظيمة تم إهمالها ،ثروة علمية ، إرث علمي كبير تم إهماله-مغيّب -ولذلك ، نحن كأمة أصبنا بمقتل بعد تخلينا عن التمسك بنواصي العلم الأصيلة .
انا لا اتكلم عن القرآن ، لانه كتاب الله الاعظم ، وهو كلام الله، الكتاب الخاتم والشامل والكامل.
 
وان اتخذناه مهجورا، وهو خير العلوم كلها وهو أصل العلم ومنبع المعرفة وهو خير كتاب وخير علم.
لكن كل قصدي هو :اننا كمجتمعات عربية تحديدا -دول وافراد-تركنا ثروة عظيمة ، مؤلفات تركها لنا علماء ومفكرين وأَمّة وأدباء في عصور سابقة ،اين هي !؟
 
كم نسبتها في مناهجنا المدرسية في كل مراحل التعليم الثلاث (الابتدائي -الثانوي -الجامعي) ؟
سواء كعلوم إنسانية او علوم طبيعية .
هل مكنا أولادنا من الاطلاع على هذه النوعية من المصنفات ،لا ؟ولذلك نحن لانلوم أجيالنا وشبابنا على ماهم فيه من ضعف عام (ثقافة سطحية).
 
نعم فالثقافة ليست مجرد ان يحفظ الانسان شيء من المعارف ولكن الثقافة مفهوم اكبر ،انها سلوك عام ،يشمل كل جوانب الحياة.
 
مثال :
لو سألنا كثير من طلاب الثانوية بل وخريجوا الجامعة عن الامام الغزالي او الامام الطبري ،،لو سألناهم هل قرأت لابن خلدون ، فنسبة عالية سيقولون لا، ونسبة قد تصل 95٪ للذين لم يطلعوا على اي كتاب  من الذين تم ذكرهم اعلاه (كنموذج).
 
للأسف الشديد ان الجهل -ولانبالغ-يضرب كل جوانب حياتنا وان ادعينا عكس ذلك، فإذا كان الجهل سابقا -قبل مائة سنة-سببه ضعف الامة بشكل عام وتدخل العامل الأجنبي ،فانه من العار علينا جميعا ان لانستدرك مكامن الخلل ونحاول ولو بقدر الإمكان ان نسهم في إنقاذ اجيالنا ولن يتم ذلك الا بالوعي وأول الوعي هو كيف نعلم اجيالنا ان يسلكوا الطريق الصحيح وأول الطُرُق هو تحصين الأجيال.
 
 ولن يتم ذلك الا بالعودة الى اسس العلم الحقة ويأتي على راسها كتاب الله الاعظم ثم أمهات الكتب الاخرى المتعلقة بالسيرة النبوية المطهرة ثم بعدها المصنفات التي انتجتها اعظم العقول البشرية والتي أسست لصروح العلم في عالمنا المعاصر بشهادة معظم علماء الغرب .
 
وللأسف الشديد ان جامعات الغرب والشرق الأقصى تدرّس فيها مؤلفات ابن سيناء والرازي وابن الهيثم وابن حيان ومن ثم تعود الينا بلغة لاتينية لا نعرف منها الا مصطلحات علمية نحفظها كالببغاوات ولاندرك محتواها.
 
ووالله انني كطالب مجتهد كنت احفظ الجدول الدوري للعناصر وجدول مندليف ورموز العناصر ، ولا اعلم حتى الان ماهو المغنسيوم ! ولم أكن اعلم ان الصوديوم نوعا ماء هو الأملاح ولم انك أدرك ان النشادر هي احد مكونات البول الآدمي !
 
 حقائق يجب ان نقر بها ولا عيب في ذلك 
وللأسف الشديد ان يكون ادب وشعر المتنبي وعنترة بن شداد يدرّس في جامعات الغرب (كلياتهم الادبية) ونحن لا ندري ماذا يعني هذا الشطر من البيت الشعري :
بسقط اللواء بين الدخول فحوملِ !
 
 
نعود مرة اخرى الى علم من أعلام الأدب والفكر انه الامام الماوردي(الله يرحمه)،هل يعلم البعض عنه وعن مصنفاته ؟
هل بحثنا عن مصنفاته وعن مصنفات امثاله ، ولو مصنف واحد ،ثم امرنا اولادنا بان يقرأوه،من ،منّا فعل ذلك ؟
 
لنأخذ جوانب معينة من حياة ذلك العالم لانه من اكثر العلماء الذين حالفني الحظ في الإطلاع على بعض مصنفاتهم الأصيلة 
هذا الامام عاش في البصرة (العراق ) قبل الف سنة تقريبا ،تخيلوا ذلك ،قبل الف سنة ،ألّف مجلدات عظيمة جدا، انه عبقرية انسانية فذه، هذا العالم والإمام الجليل عاش قبل ان تتشكل خارطة العالم كما نراها الان.
 
بمعنى ،،قارات العالم في ذلك الزمان المعروفة والمأهولة بالسكان (آسيا،افريقيا،اوروباء) اي ان قارات العالم الجديد (الامريكيتين وأستراليا ) لم تكن موجودة (لم تكن الولايات المتحدة الامريكية ،التي تعتبر الان أقوى دولة على وجه الارض ..لم تكن موجودة !
ولم يكن لها اثر ،في زمن الأمام الماوردي،الولايات المتحدة التي غزت بلاد الماوردي قبل عدة سنوات )
 
في هذه الحقبة ألف هذا الامام وأنتج عقلة الانساني، المتشبع بقيم الايمان والخير والنور ، مؤلفات كثيرة ، وكان لي شرف الاطلاع على مؤلفه (ادب الدنياء والدين )، كتاب قرأته اكثر من خمس مرات ،انه كنز عظيم ،لا يسعني ان اذكر كل فصولة ، ولكنه كتاب عظيم جدا ، تكلم فيه عن جوانب مهمة جدا .
 
حتى عن العقل البشري، وماهية العقل ،تكلم عن المشاعر الانسانية بأدق التفاصيل ،ضرب الأمثال من كتاب الله وحاجج به ايضا ، لم يستغني عن الاستعانه حتى بما ورد من حكم وعلوم من علماء آخرون غير عرب ،،من الإغريق وبلاد فارس ومن الهند وغيرها !
 
سأقتطف لكم بعض مماقاله ذلك الامام -واعتبر ذلك خاتمة طرحي - يقول :
عليك ان تعلم ان الحُزن هو اخطر المشاعر على نفس المرء، فهو اخطر حتى من الغضب !فالغضب يأتي من داخل نفس المرء ويخرج الى خارجها! 
لكن الحزن -أبعده الله عنا وعنكم-يأتي من خارج نفس المرء.
 
 لأمور لا دخل له فيها،كموت حبيب او هجر وطن ،او ظلم كبير ،او غيره ،فيستقر الحزن داخل قلب المرء وكل ما استقر داخل نفس المرء كان قاتلها .