الأثر الاقتصادي للهجرة .. والجدل الدائر «3 من 3»

تشير دراساتنا أيضا إلى أن المهاجرين محدودي المهارات يمكنهم إفادة نظرائهم في العمالة المحلية بما يمثلونه من دافع لرفع المستويات المهارية للجميع. وعلينا البحث فيما إذا كان هذا التأثير مؤكدا أو ملموسا مثلما هو الحال مع العمالة عالية المهارات.
ونحن نعلم أن هناك قوى اجتماعية واقتصادية مؤثرة حاليا وقد لا يتضح تأثيرها إلا في إطار زمني أطول. فعلى سبيل المثال، توضح بعض الدراسات في الولايات المتحدة أن للمهاجرين آثارا سلبية في أجور الأجيال السابقة من المهاجرين والمتسربين المحليين من المدارس الثانوية. وتشير دراسات أخرى إلى أن الهجرة تخفض عدد ساعات عمل المراهقين المحليين. وعلينا النظر فيما إذا كانت هذه الآثار ظاهرة في أوروبا أيضا.
إن استيعاب المهاجرين في أسواق عمل البلدان المستقبلة هو موضوع تناوله كثير من الأبحاث. وتكتسب عملية الاندماج هذه أهمية بالغة حتى تحقق البلدان أقصى المنافع الاقتصادية الممكنة من الهجرة. ونحن نعلم بالفعل أن أبناء أوروبا الشرقية، موضع تركيز هذا المؤتمر، حققوا اندماجا سريعا بوجه عام في البلدان المستقبلة. ولكن صناع السياسات يحتاجون الآن إلى فهم أوضح لتجربة استيعاب اللاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا.
كذلك نحتاج إلى صورة أوضح عن أحوال الجيلين الثاني والثالث من مجموعات المهاجرين الأسبق، ولا سيما الذين جاءوا من البلدان النامية. وهناك مجموعات بيانات شاملة لدى البلدان المستقبلة ـــ كالنرويج على سبيل المثال ـــ ولكن هذا المجال البحثي يحتاج إلى مزيد من العمل للمساعدة على تحديد السياسات الأكثر فعالية.
وبخلاف الأبحاث، نود أيضا مساعدة البلدان على وضع السياسات الملائمة. ونحن نعلم أن الحكومات يمكن أن يكون تأثيرها كبيرا في انعكاسات الهجرة على المديين القصير والطويل. فمن معايير الاختيار وخدمات التوطين وقواعد العمل وفرص التعليم إلى السياسات الثقافية ذات الصلة لاستيعاب المهاجرين، تستطيع السياسات الحكومية تغيير الموازين بين تجارب الهجرة الإيجابية والسلبية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
ورغم أن الوقت لا يتسع لكي أتعمق في هذه القضايا اليوم، أود أن أتحدث بإيجاز عن برامج الرعاية الاجتماعية والماليات الحكومية. فمن الواضح أنه يتعين وجود فهم دقيق لتجربة اللاجئين وهيكل الحوافز حتى يتسنى تحديد التوازن الصحيح لسياسات الرعاية الاجتماعية بحيث تتجنب الخطر المعنوي والمفاضلة بين برامج الرعاية الاجتماعية.
وتمثل سياسة الرعاية الاجتماعية موضوعا حساسا لمجموعات القوى العاملة المحلية التي تعتقد أن حياتها ازدادت صعوبة بسبب الهجرة. وهناك قرائن من الواقع تشير إلى أن جزءا من الهجوم الموجه للاتحاد الأوروبي وقت تصويت بريطانيا بالخروج منه ترجع جذوره إلى تصور عدم توازن المزايا الاجتماعية. فكان العمال العاطلون في المملكة المتحدة يشكون من اضطرارهم إلى الانتظار للحصول على إعانات البطالة بعد فقدان وظائفهم بينما كان المهاجرون الجدد يحصلون من الحكومة على دعم فوري.
وهذا مجرد مثال واحد يوضح كيف يمكن أن يساعد تحسين الفهم لأثر الهجرة في السكان المحليين في إعادة تحديد السياسات بل والحد من التوترات الاجتماعية. ومع ذلك، فالمسوح والدراسات تشير بالفعل إلى وجود نطاق أوسع من القضايا التي يشعر فيها السكان المحليون الأفقر بأنهم في منافسة مباشرة مع المهاجرين على موارد الرعاية الاجتماعية المحدودة ـــ سواء كانت مواصلات عامة أو رعاية صحية أو مدارس مكتظة بالطلاب.
والرسالة هنا هي أنه من الضروري، ولا سيما في السياق السياسي الحالي، التوصل إلى فهم أكثر تفصيلا للتطورات التي استحدثتها زيادة الهجرة ـــ بالتأكيد في أسواق العمل، وإنما أيضا في الاقتصاد الأوسع. وأؤكد لكم أن الصندوق، كمؤسسة تقوم على التعلم، ستستفيد من الأبحاث التي تصدر في هذا المجال، وأؤكد لكم أيضا أننا سنواصل إجراء أبحاثنا الخاصة.

مقالات الكاتب