الاقتصادات المتقدمة .. ونمو الأجور «1 من 2»

على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، أبدت أسواق العمل في كثير من الاقتصادات المتقدمة دلائل متزايدة على التعافي من "الركود الكبير" الذي وقع في عامي 2008 و2009. ولكن رغم تراجع معدلات البطالة، فقد ظل نمو الأجور ضعيفا ـــ ما يثير سؤالا محيرا: لماذا لا يؤدي ارتفاع الطلب على العمالة إلى رفع الأجور؟
أجرينا أبحاثا تلقي الضوء على مصادر النمو الضعيف للأجور الاسمية في الاقتصادات المتقدمة منذ فترة الركود الكبير. فمن المهم فهم العوامل وراء انقطاع الصلة بين البطالة والأجور ليس فقط لأغراض السياسة الاقتصادية الكلية وإنما أيضا لاستيضاح آفاق الحد من عدم المساواة في توزيع الدخل وتعزيز الأمن الوظيفي للعاملين.
بدأ نمو الوظائف يتحسن في كثير من الحالات وعادت معدلات البطالة الكلية إلى مستويات ما قبل الركود الكبير. ولكن النمو الاسمي للأجور لا يزال أقل بكثير مما كان عليه قبل الركود. وربما يكون تباطؤ نمو الأجور راجعا إلى الجهود المتعمدة لإبطاء نمو الأجور عن مستوياتها المرتفعة غير القابلة للاستمرار، مثلما حدث في بعض بلدان أوروبا. ولكن هذا النمط أكثر انتشارا.
هناك عدة عوامل مؤثرة تفسر هذا النمط، وهي عوامل ذات طابع دوري وهيكلي ـــ أو بطيء الحركة.
من العوامل الدورية الأساسية تراخي سوق العمل، أي عرض العمالة الزائد على الحجم الذي ترغب الشركات في توظيفه.
ولكن، بادئ ذي بدء، من الضروري إدراك أن معدلات البطالة الكلية قد لا تشير إلى تراخي سوق العمل مثلما كانت تفعل في السابق. فقد استمر انخفاض ساعات العمل لكل عامل "استمرارا لاتجاه عام بدأ قبل الركود الكبير".
كذلك شهدت عدة بلدان ارتفاعا في معدلات العمل بدوام جزئي غير طوعي "العاملون لأقل من 30 ساعة أسبوعيا الذين يرغبون في العمل وقتا أطول" وزيادة في نسبة عقود العمل المؤقتة. ويرجع جانب من هذه التطورات إلى استمرار ضعف الطلب على العمالة "الذي يرجع بدوره إلى ضعف الطلب النهائي على السلع والخدمات".
وهناك عامل آخر يؤثر في نمو الأجور، وهو تباطؤ الاتجاه العام لنمو الإنتاجية. فاستمرار ضعف إنتاج العامل في الساعة يمكن أن يقلص ربحية الأعمال ما يعوق نمو الأجور في نهاية المطاف حيث تصبح الشركات أقل رغبة في تحمل أي زيادات سريعة في تعويضات العاملين.
وإلى جانب هذه العوامل، هناك عوامل بطيئة الحركة يبدو أنها تعوق نمو الأجور، كالتحول الجاري إلى النظم الآلية "الذي يمثله السعر النسبي للسلع الاستثمارية" وتراجع توقعات النمو متوسط الأجل. غير أن تحليلنا يشير إلى أن التحول إلى النظم الآلية ربما لا يكون قد أسهم بدرجة كبيرة في إضعاف ديناميكية الأجور عقب الركود الكبير.
كذلك يشير التحليل إلى عوامل مشتركة كبيرة وراء ضعف الأجور في أعقاب الركود الكبير خاصة في الفترة "2014 ـــ 2016" ... يتبع