كيف نعزز وجود المرأة في قطاع التكنولوجيا؟

وجود قدوة والتأكيد على إمكانية بناء مسيرة مهنية ناجحة، عاملان يؤثران في قرارات المرأة المتعلقة بحياتها المهنية.
ما العوامل التي تؤثر في قراراتك المتعلقة باختيار مهنة معينة؟ غالبا ما يجيب الأشخاص عن هذا السؤال بإجابات مثل: أحببت هذا العمل، أو هناك أشياء ألهمتني للقيام بذلك، أو لأن الراتب جيد. في معظم الحالات، توجد إجابة لا يتم التصريح بها عادة: في اعتقادي يعد فرصة جيدة للنجاح في مسيرتي المهنية.
بحسب نموذج "روي"، يختار الأشخاص مهنتهم بناء على قرار عقلاني. فهم يحاولون زيادة دخلهم، والأخذ بعين الاعتبار مهاراتهم وما يقابلها في مختلف القطاعات. يتمحور الأمر حول تحسن وضعهم: يختار الأشخاص ما يعتقدون أنه فرصة للحصول على مزايا تنافسية أكبر.
أما بالنسبة للمرأة، فإن التصور المسبق بكونها غير مرحب بها في قطاعات معينة، قد يؤثر في قرارها بقبول عمل معين. فإذا ما نظرنا إلى مهنة البرمجة في بيرو، حيث تمثل النساء 7 في المائة من القوة العاملة، هل يعزى قلة نسبة تمثيل المرأة إلى تفضيلاتها الشخصية المتعلقة بالعمل، أو بسبب القوالب النمطية والأعراف الاجتماعية التي لا تشجع المرأة على اختيار هذا القطاع؟ هل تستطيع المرأة ببساطة تجنب مهنة معينة لاعتقادها بعدم وجود فرصة للتطور؟
لاحظنا خلال تجربتين ميدانيتين في أمريكا اللاتينية، أن الإعلانات التي تضمنت أمثلة على نساء يقتدى بهن، وصححت المفاهيم الخاطئة حول قدرة المرأة على ممارسة مهنة في قطاع التكنولوجيا، قد أسهمت إلى حد كبير في زيادة عدد المتقدمات إلى برنامج تدريبي للبرمجيات.

تصحيح المفاهيم
دخلنا في شراكة مع منظمة غير ربحية تهدف إلى مساعدة الشابات من ذوات الدخل المحدود على أن يصبحوا مبرمجين من خلال برنامج تدريبي مكثف مدته خمسة أشهر. تهتم هذه المنظمة الدولية بزيادة عدد الشابات المهتمات بهذا المجال.
أنشأنا في التجربة الأولى التي أجريناها في بيرو، نسختين من صفحة الويب الخاصة بتسجيل البرنامج. تضم كلاهما معلومات أساسية حول برنامج التدريب إضافة إلى نموذج الطلب. أضفنا في إحدى النسختين رسالة من شأنها تصحيح التصورات المسبقة حول دور المرأة في قطاع التكنولوجيا. تحتوي هذه الرسالة القصيرة على ثلاثة عناصر أساسية:
التأكيد على قدرة المرأة على النجاح في قطاع التكنولوجيا.
التشديد على أن التدريب يتيح الوصول إلى شبكة من السيدات في هذا القطاع.
مشاركة خبرات شابة تخرجت حديثا (قدوة).
على الرغم من إيماننا بأن ذلك سيكون له تأثير، إلا أن النتيجة كانت مبهرة. أسهمت رسالة التطمين في مضاعفة عدد المتقدمات: 15 في المائة من السيدات اللواتي اطلعن على الرسالة تقدمن إلى البرنامج، مقابل 7 في المائة فقط ممن تصفحن صفحة الويب الأخرى.
إضافة إلى ذلك، وجدنا عند مقارنة أول 50 شخصا متقدما في كلتا المجموعتين، أن المشتركات اللواتي تصفحن الرسالة حصلن على درجات أعلى في اختبار القدرات المعرفية والتقنية التي تقام خلال عملية الاختيار.

ما الدافع؟
أجرينا لاحقا تجربة ميدانية ثانية، وقع خيارنا هذه المرة على المكسيك لمعرفة أي من العناصر الثلاثة التي تتضمنتها الرسالة لاقت صدى أكبر عند المشتركات. وللقيام بذلك أنشأنا أربع نسخ من صفحة الويب الخاصة بالتسجيل. تضمنت الصفحة الأساسية العناصر الثلاثة، ومن ثم تجاهلنا في النسخ الثلاث الأخرى أحد هذه العناصر: لم تتطرق إحدى النسخ إلى قدرة المرأة على النجاح في قطاع التكنولوجيا. وأخرى تجاهلت إمكانية الوصول إلى شبكة السيدات في هذا القطاع، والأخيرة لم تعط مثالا عن قدوة يحتذى بها.
توصلنا بالاستناد إلى التجربة الثانية إلى أن الجزأين المتعلقين بوجود قدوة يحتذى بها، والتأكيد على قدرة المرأة على النجاح في هذا القطاع، كان لهما الدور الأكبر. حيث أسهم غياب أحد هذين العنصرين في تخفيض عدد المتقدمات بنسبة 23 و18 في المائة على التوالي، مقارنة بالمتقدمات من صفحة الويب الأساسية التي تحتوي على العناصر الثلاثة "غياب العنصر الثالث المتعلق بإمكانية الوصول لشبكة الأقران في هذا القطاع، لم يكن له تأثير يذكر".

المساواة بين الجنسين
أصبح من المعلوم أن المرأة تتقاضى 79 سنتا من الدولار مقارنة بالرجل. ولا ننكر أن السيدات اللواتي يعملن بدوام كامل على مدار العام، يتقاضين رواتب أقل من نظرائهن من الرجال. لكن لا نستطيع أن نعزو هذه الفجوة بشكل كلي إلى التمييز على أساس الجنس. يعكس ذلك إلى حد كبير حقيقة مفادها أن المرأة تنزع للعمل في قطاعات تعطي أجورا أقل وتهيمن عليها الإناث.
على الرغم من كونه ليس حلا "وهو غير متاح"، قد يكون دفع المرأة نحو مهن ذات أجر أعلى أحد الحلول البديلة لتقليل فجوة الأجور بين الجنسين. فقطاع التكنولوجيا هو مجرد مثال على ذلك. وقد لا تبدي جميع السيدات اهتماما بمثل تلك الوظائف، ولا توجد مشكلة في ذلك. فالفكرة هنا التأكد من عدم تأثر المرأة بالمعايير والتحيزات المتعلقة بالجنسين، ولا سيما بالنسبة للمهتمات بمهن معينة.
تشير النتائج التي توصلنا إليها، إلى أنه في القطاعات التي يهيمن عليها الرجال، قد يكون لتغيير الرسالة المراد إيصالها تأثير كبير في المرأة عندما يتعلق الأمر بعملية اتخاذ قرار يتعلق بمسيرتها المهنية. وهنا يأتي دور قسم الموارد البشرية، وصناع القرار، والمدارس. في تلك الأثناء، ينبغي لنا جميعا أن ننشر الوعي بالتأثيرات الخفية للعادات والهوية الاجتماعية على سلوكيات المرأة.