الثقة ومستقبل العمل متعدد الأطراف «2 من 2»

نجد أن الثقة انخفضت في بعض المؤسسات الأوروبية بسبب مخاوف التجاوزات. وقد تولدت ردود فعل كثيرة في الانتخابات الأخيرة نتيجة مشاعر عدم الرضا والشك في الأجهزة والقواعد التنظيمية فوق القومية.
وستعاني أوروبا من مواطن ضعف أخرى طالما ظلت عناصر بنيانها الإقليمي غير مكتملة. وبينما لا يزال هناك المزيد مما ينبغي عمله على مستوى الاتحاد المصرفي وتحقيق الاتساق بين القواعد التنظيمية والممارسات الوطنية في القطاع المالي، فمن المحتمل ازدياد تآكل الثقة. ولكن على الجانب الإيجابي، فإن تحقيق التقدم نحو زيادة الاندماج يمكن أن يؤدي إلى تجدد الثقة. ولكن الأمر الذي تتضح صعوبته هو التعامل مع تخفيض المخاطر ـــ أي التركة التي خلفتها الأزمة وعدم انضباط السياسات ـــ مع بناء عناصر تقاسم المخاطر. وما لم يتحقق هذا التوازن بالشكل الصحيح، قد يتعذر الحفاظ على الثقة، إذا رأى مواطنو بعض البلدان أنهم من يدفع الثمن وأن الآخرين يحصلون على المزايا.
وعلى الصعيد العالمي، يبدو الشعور بعدم الثقة بالاتفاقيات والمؤسسات العالمية أكثر وضوحا في عالم التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر ـــ حيث يشهدان التحول نحو المفاوضات والمعاهدات الثنائية والحديث عن اتخاذ إجراءات أحادية. بينما التعاون من أجل تحقيق المكاسب المشتركة هو السبيل المؤكد الوحيد لتجنب مخاطر التصاعد المدمر في التوترات التجارية. ولكن بالمنطق نفسه، نجد أن العولمة لن تحظى بالتأييد الواسع والمستمر إلا إذا كانت قائمة على أساس من الممارسات التجارية والاستثمارية الحرة والعادلة. وهذا يعني أن نكون على استعداد لتحديث القواعد والمؤسسات على نحو يتناسب مع تزايد تطور وتعقيدات الاقتصاد العالمي ـــ ومع التغيير الذي تحدثه التكنولوجيا في المشهد الاقتصادي. وينبغي لكل البلدان العمل على تحسين سياساتها، والعمل معا لمراعاة حالات فقدان الوظائف الناجمة عن العولمة والتكنولوجيا.
وعدم الثقة ليس بالأمر الجديد بالنسبة لصندوق النقد الدولي. فقد كنا في قلب هذه الأزمة والجدل الدائر بشأنها. وتعرضنا للضغوط مرارا وتكرارا من أجل الإصلاح بغية تلبية الاحتياجات والتوقعات المتغيرة للمجتمع الدولي. ونشعر الآن بهذه الضغوط مرة أخرى في خضم المناقشات الدائرة حول شبكة الأمان المالي العالمية، وهي أمر ضروري لتكون حائط الوقاية من الأزمات المستقبلية.
وعلى مدار العقد الماضي، اتخذ الصندوق خطوات مهمة لجعل عملية صنع القرارات فيه أكثر تعبيرا عن التغيرات المشاهدة في الاقتصاد العالمي، مع اكتساب الأسواق الصاعدة صوتا أكبر في هذا الخصوص.
ويجب أن تستمر جهودنا. ولا بد أن نصبح أكثر تواؤما مع الآراء والتظلمات التي ترد إلينا من أنحاء العالم ـــ بما في ذلك التصدي لقضايا الفساد. ويجب أن نؤكد أننا مؤسسة تتسم بالكفاءة وحريصة على مواصلة التعلم والتطور. ولكن الأهم من ذلك، لا بد أن نثبت أنه لا يزال هناك ما يستدعي العمل معا لتحقيق المصالح العالمية التي يجني ثمارها الجميع وتمتد عبر الحدود الوطنية الضيقة.
ومن الضروري تأهيل العمل متعدد الأطراف لعالم أصبحت الثقة والسلطة فيه أكثر لا مركزية. فمؤسساتنا متعددة الأطراف هي الآن بالغة الأهمية أكثر من أي وقت. وطريقتنا في إعادة بناء الثقة تتمثل في ضمان أن يؤدي التعاون إلى مكاسب ملموسة يجني ثمارها كل الناس، وأن هذه المكاسب يمكن تقاسمها على نطاق واسع. وسيكون بوسعنا استعادة الثقة بالمؤسسات والأهداف الأوسع نطاقا إذا سعينا لاستعادة الشعور بإمكانية تحقيق أهداف ملموسة عن طريق العمل معا.

مقالات الكاتب