أوقفوا هذا العبث

تناول كثير من الإخوة الاقتصاديين والأكاديميين عملية تمويل السلع بسعر محدد  يقل عن سعر السوق بمراحل في ظل شحة كبيره في الموارد.  واستمرار هدر  ماهو متاح منها  وأجمع كل الإخوة الذين تناولوا هذه القضية على عدم صوابية السياسات التي يتبعها البنك المركزي  وعدم نجاعتها بل سماها البعض بالكارثيه

وتلبية لرغبات بعض الاخوه بالتعليق على الموضوع أجدني  هنا اتفق مع كل الآراء التي  طرحت والأوصاف التي  قيلت.  وليعلم البعض ممن تستهويهم التصنيفات  ونظريات المؤامرة والاستهداف. إن نقدنا  موجه لسياسات وليس  لأشخاص  ولمؤسسات  وليس لأفراد الإجراءات  التصحيحية لمسار الاقتصاد اليمني التي اتخذت منذ عام ١٩٩٥م والإجراءات التالية لها   نجحت الدولة في بعضها وأخفقت في البعض  الأخر  دفع ثمنها الشعب كلفة باهظة من الدماء والدموع والمعاناة والآلام.  وكان من أهم النجاحات في مسيرة التصحيح هو  رفع الدعم عن المواد الأساسية وتحرير سعر الصرف وإتباع سياسات التعويم المدار managed floating   حيث كان هناك العديد من أسعار الصرف  منها

سعر الصرف الرسمي

وسهر الصرف الجمركي

وسعر الصرف الدبلوماسيين

وسعر الصرف للمواد الأساسية.........الخ

وكانت موارد البلد تنهب بواسطة هذه التطبيقات .  ولو كان المجال يتسع لاوردنا. بعض الامثلة التي توضح مدى حجم الفساد الذي نجم عن تلك الآليات والسياسات غير المواتية

العودة اليوم لمثل تلك السياسات  العقيمة والآليات الفاسدة كارثة.  بدأنا بثلاث سلع  أساسيه. ثم أضفنا  سلعتين أخريين وغدا سنضيف  الادويه.  وبعد غدا سنضيف مواد أخرى  ولن نعدم التبرير لأي أضافه ومن الطبيعي أن يطالب المستوردون بتطبيق نفس أسعار الصرف على الجمارك إذ ليس من المنطقي ان تطبق سعر صرف جمركي أعلى من سعر صرف تمويل الاستيراد.  وهكذا سيفتح المجال على مصراعيه  وأول الغيث قطره

الوديعة محدودة   في حجمها قياسا بما هو مطلوب والمدة الزمنية لاستعادتها قصيرة إن كان هناك  مجال لإعادتها  أصلا. وهي لن تصمد طويلا أمام متطلباتنا ونفقاتنا الحتمية من العملات الأجنبية وسيصبح البنك المركزي مكشوفاً عاجزا عن أي فعل إذا لم نحسن إدارتها و استخدامها   في تهدئة السوق  وتعزيز الثقة بالبنك المركزي والتدخل في أوقات الاضطرابات والتذبذبات غير المبررة  اقتصاديا والابتعاد عن التدخلات غير المجدية والتي ليست من اختصاصات البنك المركزي ولا من مهامه

ما يقوم به البنك المركزي من تدخل إن جاز تسميته كذلك عبر آلية تمويل الاستيراد  هو العودة إلى سياسات الدعم وآلياتها الفاسدة التي تهدر المال العام ولا تصل إلى المستحقين ،  بالماضي كانت الدولة تدعم السلع الأساسية  وتحدد أسعارها حين كان هناك شبه  دوله تسيطر على كامل الأرض اليمنية وتتحكم بالأوضاع   ومع ذاك كان المواطن يعاني الأمرين للحصول على سلعه مدعومة بالسعر المحدد  وبنوعيه مقبولة  مع أن مخصصات الدعم كانت أرقام فلكيه ووصلت مديونيات البنك المركزي  للتجار  مئات الملايين من الدولارات بل اقتربت من المليار دولار في بعض الفترات وعندما اتخذت الدولة قرارا بتحريرها ورفع الدعم عنها   توفرت بالسوق بأفضل جوده وأقل سعر وراكم البنك المركزي احتياطيات خارجية فاقت الثمانية مليار دولار

اليوم السوق منفلتة  ولا تملك  الدولة أي أداة  من أدوات التحكم بالسوق يمكن بواسطتها أن تحدد أسعار السلع وتراقب التلاعب  وتعاقب من يرتكبه هذا إذا سلمنا جدلا إن هناك دوله كاملة الأركان ولها كامل السيادة والإرادة  أما في هذه الأوضاع والظروف فليس من المنطقي التدخل بآليات مشوهه في سوق تسودها الفوضى والانفلات وعدم الانضباط وكان الأجدى والأسلم للبنك المركزي  اذا كان هدفه تبريد سوق العملة ودعم الريال والحد من المضاربة التدخل بشكل مباشر ببيع العملة للبنوك. المستوردة والممولة لاستيراد السلع الأساسية وعن طريق المزايدة كما كان البنك المركزي يفعل عند تدخله أوقات الأزمات والتذبذب الحاد في  سوق النقد وبآليات شفافة  دحضا للشبهات وتفاديا لأي عمليات فساد تصاحب هذا التدخل بسعر محدد سلفا لا يعكس قيمته السوقية وغير قابل الاستمرار 

عملية كهذه ليس للبنك المركزي وحده أن يقررها  ولا من حقه إيكالها إلى قوى المضاربة بسوق العملات ولا للمستفيدين منها ، بل هي عملية مشتركه بين البنك والحكومة يكون القول الفصل فيها للحكومة طالما وهي ستتحمل تبعاتها بصوره مباشره وغير مباشره  وتمثل تحولا عن سياساتها الاقتصادية المعلنة   بإتباع آليات السوق والابتعاد عن سياسات الدعم. كما أنها لا تمثل تدخلا بسياسات البنك المركزي النقدية ولا تمس باستقلاليته طالما  ما يقوم به البنك ليس من اختصاصه ولا من المهام الموكلة إليه

ولمزيد من الإيضاح.  فإدارة البنك  المركزي بهذا الإجراء تخالف قانون  البنك المركزي بصوره واضحة وفاضحه انظروا  إن شئتم إلى ما ورد بالمادة الخامسة من قانون البنك المركزي

(مادة (5): 1-   الهدف الرئيسي للبنك هو تحقيق استقرار الأسعار والمحافظة على ذلك الاستقرار وتوفير السيولة المناسبة والملائمة على نحو سليم لإيجاد نظام مالي مستقر يقوم على آلية السوق.

2-   وبدون الإخلال بالهدف الرئيسـي الوارد في الفقرة (1) من هذه المادة يمارس البنك عملياته في إطار السياسة الاقتصادية للحكومة ، وله في سبيل تحقيق ذلك ممارسة المهام والاختصاصات التالية :

‌أ-رسم وتبني وتنفيذ السياسة النقدية التي تنسجم مع هدفه الرئيسي في تحقيق استقرار الأسعار والمحافظة على ذلك الاستقرار.

‌ب-تحديد نظام سعر الصرف الأجنبي بالتشاور مع الحكومة ، ثم يقوم برسم وتبني وتنفيذ سعر الصرف الأجنبي)

وبالنظر إلى ما ورد بعاليه نجد أن البنك قد خالف نصوص القانون  وما قام بتطبيقه لم يتم وفقا لقرار من الجهات المعنية بالحكومة بل تم في معزل عنها وبالمخالفة لسياساتها المعلنة واليات  السوق التي تتبعها

وحتى لا نستمر  في طريق  غير امن ومكلف  نأمل التدخل لإعادة تصويب المسار وعدم السماح  بإتباع سياسات ثبت فشلها والإطاحة بتجارب ناجحة وصلنا إليها بعد معاناة وتضحيات كبيره 

ورسالة  قصيرة لسعادة السفير محمد سعيد آل جابر الذي تفاعل مع هذا الإجراء  بحسن نية نقول

سعادة السفير ليس كل ما يلمع ذهبا والشيطان يدخل بالتفاصيل وللجميع خالص التحية

 

رئيس مصلحة الضرائب اليمنية سابقا*

مقالات الكاتب