تراجع الأسعار يضع النفط الصخري على المحك

لقد ارتفع إنتاج النفط في الولايات المتحدة هذا العام بصورة كبيرة، فاقت حتى أكثر التوقعات تفاؤلا، لكن الانهيار الأخير في أسعار النفط يمكن أن يكون له تأثير كبير في مستوى الإنتاج يفوق اختناقات خطوط الأنابيب، الأمر الذي قد يبطئ نمو إنتاج النفط الصخري.
بين عامي 2015 و2017، تذبذب نشاط الحفر في تشكيلات النفط الصخري مع تذبذب أسعار النفط "على الرغم من وجود فارق زمني بنحو عدة أشهر"، مع قيام الشركات بزيادة عدد منصات الحفر وإضافة الإنتاج عندما ارتفعت الأسعار، وخفض عدد الحفارات والفعاليات عندما انخفضت الأسعار. كانت عمليات الحفر والإنتاج تتقلب دائما مع الأسعار، إلا أن فترة تطوير مصادر النفط الصخري القصيرة مقارنة بتطوير الموارد التقليدية، تعني أن أسواق النفط كانت تستجيب بشكل أسرع لتغيرات الأسعار.
وقد أدى انحسار أو تدفق نشاط عمليات الحفر إلى ظهور نظرية "النطاق السعري للنفط الصخري"، التي تفترض أن أسعار النفط لها حدود عليا وأخرى دنيا، ويحدد هذا النطاق بصورة رئيسة إنتاج النفط الصخري. عندما تصل الأسعار إلى واحدة من تلك الحدود، فإن إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة سيعيدها إلى منتصف النطاق.
وبشكل أكثر تحديدا، إذا ارتفعت أسعار الخام الأمريكي إلى 60 دولارا للبرميل - على سبيل المثال - فإن النشاط في تشكيلات النفط الصخري سيزداد، وستظهر إمدادات جديدة في الأسواق، ما يؤدي إلى تراجع الأسعار إلى ما دون ذلك الحد. إذا هبطت الأسعار إلى 40 دولارا للبرميل أو أقل، فقد تتراجع عمليات الحفر، ويؤدي الانخفاض "أو التباطؤ في النمو" إلى تشدد الأسواق بما يكفي لدفع الأسعار إلى الارتفاع من جديد.
منذ أواخر عام 2017، عندما بدأت تخفيضات الإنتاج من قبل منظمة "أوبك" وحلفائها، ارتفعت أسعار خام برنت بشكل موثوق فوق مستوى 60 دولارا للبرميل وبقيت هناك. وحين انتعشت الأسعار في هذا العام، تجاوزت هذا النطاق السعري الذي يراوح بين 40 و60 دولارا للبرميل، الذي سيطر على أسواق النفط على مدار السنوات القليلة الماضية. وعلى هذا النحو، واصل إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة النمو بسرعة وبشكل مستمر؛ حيث إن الانقطاعات في أماكن أخرى من العالم، إلى جانب إجراء "أوبك" وحلفائها، منعا الأسعار من الانخفاض حتى الشهر الماضي.
إن انهيار أسعار النفط، التي هبطت بأكثر من الثلث منذ تشرين الأول (أكتوبر)، قد يجعل نظرية "النطاق السعري للنفط الصخري" ذات صلة مرة أخرى. لقد انخفضت أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى مستوى 50 دولارا للبرميل، وبدأ في الاقتراب من المستويات التي قد تؤثر في عمليات الحفر. في هذا الجانب، يتوقع عدد من المحللين أنه عند مستوى 50 دولارا للبرميل، تحقق شركات النفط الصخري عوائد مالية تكفي لتحقيق نسب نمو معتدلة؛ لذا يمثل مستوى الـ50 دولارا للبرميل أرضية مهمة لمنتجي النفط الصخري، على الأسواق ومراقبتها.
على الرغم من أن كثيرا من شركات النفط الصخري قد نجح في خفض التكاليف وأسعار التعادل Breakeven Prices على مدى السنوات القليلة الماضية، إلا أن الضغوط من قبل المساهمين لخفض الإنفاق الرأسمالي أقوى بكثير مما كانت عليه من قبل. في السنوات الماضية، كان بوسع منتجي النفط الصخري أن يراكموا الديون، ويعدوا بتحقيق أرباح فيما بعد، وقد استجاب لهم المستثمرون في حينها. لكن لم يعد هذا هو الحال الآن، وهذا يعني أن الضغوط لخفض الإنفاق من أجل الحفاظ على الربحية هي الآن أعلى مما كانت عليه من قبل.
علاوة على ذلك، لا يزال بعض مناطق النفط الصخري يعاني خصومات كبيرة في الأسعار بسبب الاختناقات في خطوط الأنابيب. لذا، في الوقت الذي تراوح فيه الآن أسعار خام غرب تكساس الوسيط قرب 50 دولارا للبرميل، بعض منتجي النفط الصخري يحصلون على أقل من ذلك. في وقت سابق من هذا العام، تجاوزت خصومات الأسعار لإنتاج الحوض البيرمي عشرة دولارات للبرميل. ومن المتوقع أن يشهد إنتاج حوض الباكن تفاقم الخصومات مع وصول خطوط الأنابيب إلى طاقتها القصوى. الجانب الآخر هو أن تقنيات الحفر قد تطورت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، ما أدى إلى زيادة معدلات الإنتاج وخفض التكلفة. وهذا قد يمكن الشركات من تجاوز التباطؤ الحالي في الأسعار - إذا ما استمر - بشكل أفضل بكثير من المرة السابقة.
كما لاحظت مصادر السوق، أن صناعة النفط الصخري حاليا وسط وضع خطط الحفر لعام 2019. حتى الآن، كان عدد قليل جدا من المطلعين على الصناعة أو المحللين يتوقعون أن تنخفض أسعار النفط إلى أقل من 60 دولارا للبرميل في العام المقبل. وقد يؤدي الهبوط الأخير في الأسعار إلى إعادة التفكير في خطط الحفر. إذا كانت الصناعة تسير في اتجاه أكثر تحفظا، فقد لا ينمو إنتاج النفط الصخري بقدر ما كان يعتقد سابقا.
مع كل ذلك، يمكن لـ"أوبك" وحلفائها أن يضعا حدا للانخفاض الأخير في الأسعار في اجتماعهما نهاية هذا الأسبوع؛ حيث بدأت تتحدث أوساط السوق عن خفض كبير للإنتاج يجري تداوله منذ بضعة أسابيع، وكلما انخفضت الأسعار أكثر، ازدادت احتمالية اتخاذ مثل هذا الإجراء. في هذه المرحلة، زيادة التوقعات باتخاذ نوع من الإجراءات قد تلقفتها الأسواق بالفعل، وعدم اتخاذ إجراء من المرجح أن يؤدي إلى تراجع الأسعار أكثر بكثير. على هذا النحو، يبدو من المستبعد جدا ألا تتخذ "أوبك" وحلفاؤها أي إجراء.

 

مقالات الكاتب