في إنتاج النفط وتسويقه .. لمن الغلبة؟

في مستهل عام 2015، أشار كاتب هذا العمود - بتواضع شديد - إلى أن الانخفاض الحاد في الأسعار في حينه "ربما لن يؤثر في مسعى أمريكا إلى تطوير تكنولوجيا حديثة، تخرج النفط العربي من خانة السلع الاستراتيجية".
وتوقع الكاتب أن العالم سيُقبِل على "ثورة صناعية لا سقف لها في عالم استخراج النفط،" مؤكدا أن "هذه الثورة التقنية تتطور اليوم بسرعة مذهلة، وفي حلقات، وضمن قياسات زمنية ربما أكثر من أي صناعة أخرى".
نحن الآن في مستهل عام 2019، وأثر هذه الثورة الصناعية صار محسوسا في طفرات إنتاج النفطين: الصخري الأمريكي، والرملي الكندي.
وها نحن نشهد طفرات كبيرة في الإنتاج، ولا سيما في أمريكا، مَرَدُّها الاستثمار في تكنولوجيا الحفر والاستخراج.
وأظن أننا قد لا نبتعد عن الواقع والحقيقة كثيرا إن قلنا إن مسعى الدول النفطية التقليدية إلى إغراق الأسواق بالنفط عام 2014 لخفض الأسعار للحد من تأثير الإنتاج الصخري - لم يجلب النجاح الذي كان متوقعا.
وهذا لا يعني أن التكنولوجيا قد حصنت النفطين الصخري أو الرملي من تأثير انخفاض حاد في الأسعار.
وعلى العكس، فإن الإنتاج خارج الدول المنتجة الرئيسة ضمن منظمة أوبك سيكون عرضة لانحسار شديد؛ إنتاجا واستثمارا وربحا، في حال شُنَّت حرب أسعار عليه من الدول التقليدية المنتجة للنفط.
وهذا يعني أن زمام المبادرة لا يزال في يد عمالقة النفط التقليديين، وهنا نخص بالذكر المملكة العربية السعودية وروسيا، وأن العملاق الذي ظهر في الساحة؛ أي الولايات المتحدة، قد تخشى على مكانتها الجديدة كأكبر منتج للنفط في العالم إن انخفضت أسعار النفط إلى ما دون 40 دولارا.
إلا أن سعرا مثل هذا لن يناسب الدول الكبيرة المنتجة، خاصة السعودية وروسيا، لأسباب اقتصادية بحتة ذات علاقة بميزان المدفوعات.
وعليه؛ تشير توقعات أكثر مراكز البحث والمحافظة منها خصوصا، إلى أنه ليس من مصلحة العملاقين روسيا والسعودية في الوضع الحالي الدخول في حرب أسعار مع الولايات المتحدة للحد من هيمنتها على الإنتاج.
وتدرك السعودية وروسيا أن بإمكانهما الحد من زيادة ونمو إنتاج النفط في أمريكا، بيد أن ذلك ليس من مصلحتهما. كبح جماح إنتاج النفط في أمريكا يعني إغراق الأسواق بالنفط، والهبوط بالأسعار ربما إلى ما دون مستويات عام 2014 - 2015، ولا أظن أن هذا يَرِد في بال أي منهما حاليا.
ولهذا فإن أسعار النفط يُتوقع لها أن تبقى فوق سقف 50 دولارا للفترة من 2019 إلى 2025، العام الذي - بحسب التوقعات - سيبلغ فيه إنتاج النفط الأمريكي نحو 24 مليون برميل يوميا، وهو أكثر من إنتاج روسيا والسعودية معا.
ويختلف العملاق الجديد من حيث التركيبة الاقتصادية عن العملاقين الآخرين: روسيا، والسعودية.
الاقتصاد الأمريكي، إضافة إلى كونه أكبر وأقوى اقتصاد في العالم، يعد أكثر الاقتصادات تنوعا أيضا؛ ولهذا لن تكترث الولايات المتحدة كثيرا في حال هبوط الأسعار إلى ما دون 50 دولارا أو أكثر.
الاقتصاد الروسي لا يزال ريعيا؛ أي إن واردات النفط والغاز تشكل نسبة كبيرة من الدخل بالعملة الصعبة.
ولهذا ستبذل موسكو وسعها للحفاظ على سعر في حدود 50 - 60 دولارا أولا، وثانيا ستعمل أيضا على التعاون مع السعودية لهذا الغرض، وذلك بتنفيذ أي وعود حول خفض الإنتاج خدمة للأسعار.
وضع السعودية يعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط، إلا أن لديها خططا وبرامج لتنويع اقتصادها.
ولكن لنتصور للوهلة الأولى نجاح "رؤية 2030" في المملكة - بالطبع بعد تكاتف جميع شرائح المجتمع لإنجاحها - وما يمكن لهذه "الرؤية" أن تحدثه في ساحة إنتاج النفط وتسويقه:
أولا، سيكون الاقتصاد السعودي في حينه متنوعا. ثانيا لن يكون النفط عماد الاقتصاد كما هو الآن؛ إذ حسب "الرؤية"، سيكون بإمكان النشاطات الاقتصادية المختلفة والمتنوعة تمويل الميزانية.
في وضع كهذا، ستصبح المملكة ربما من دون منازع العملاق المهيمن على ديناميكية الإنتاج والتسويق؛ حيث لن تكترث إن هبطت أسعار النفط إلى أي مستوى، وإن أرادت الدخول في حرب أسعار دخلتها آمنة.
لا أظن أن التطور التكنولوجي سيكون بإمكانه جعل الصخر والرمل النفطيين يقارعان ما تملكه السعودية من احتياطيات نفطية مثبتة؛ أي التي يمكن الوصول إليها حاليا، "وهي الأعلى في العالم"، وغير المثبتة، وهذه احتياطيات هائلة قد يستفاد منها بتقدم وتطور أساليب الحفر والاستخراج.

مقالات الكاتب