أنتم جزء من المشكلة: في تراجع ميناء عدن وركود قطاع البناء

●عندما كان نشاط ميناء عدن مرتفع  نسبيا و تأتي عبره الواردات المحلية كان الميناء يؤثر إيجابيا على الكثير من القطاعات المرتبطة به بشكل مباشر وغير مباشر سواء في قطاع النقل أو التجارة أو القطاع السياحي والخدمي وورش صيانة الناقلات والمطاعم ومكاتب النقل ومحطات البنزين هذه القطاعات والوحدات وغيرها من الأنشطة كانت تنتعش بانتعاش اعمال الميناء عدا عن ارتفاع مستوى الحصيلة الجمركية والضريبية التي كانت ترفد الموازنة العامة للدولة بأكثر من تريليون ريال خاصة. عندما  كان النفط المستورد لليمن يمر عبر ميناء عدن.


ولكن عندما تحول أكثر من 75في المائة من الواردات بمافي ذلك واردات النفط إلى ميناء الحديدة جفت موارد ميناء عدن وتأثرت كل هذه القطاعات الاقتصادية بشكل سلبي وفقد العديد من الأفراد وظائفهم  وهنا أود التأكيد أن تحول الاستيراد عبر ميناء الحديدة بعد أن سمح التحالف بذلك على هذا النحو وبهذه النسبة المرتفعة لم يكن اختياريا من قبل التجار  المستوردين ولا بسبب التفضيلات التي يحصلون عليها في ميناء الحديدة  مقارنة بميناء عدن  ولم يكن كما  يعتقد البعض أنه كان هروبا بسبب زيادة  سعر الدولار الجمركي. ولكن بشكل رئيس يعود أن سلطة صنعاء أجبرت التجار  من خلال الزامهم بالتوقيع على تعهدات بالتوقف عن الاستيراد عبر ميناء عدن والاستيراد فقط عبر ميناء الحديدة ولم تترك لهم الخيار  وهذا يعني انه لم يكن ناتج عن تنافسية ميناء الحديدة مع التأكيد  أنه على رغم انخفاض سعر الدولار الجمركي هناك والذي بقى على حالة عند 250ريال الذي قد يكون جاذبا  لكن هناك يدفعون التجار الضريبة الجمركي بنسبة 100في المائة فيما أن الضريبة بميناء عدن كانت  تساهلية بدليل أن نقاط الجمارك التي نصبت في منطقة الراهدة وغيرها من المناطق التي تقع تحت سلطة صنعاء  كانت تأخذ فارق الضريبة: بين الضريبة الجمركية المحددة بالقانون والضريبة الفعلية المستلمة في ميناء عدن بموجب الإقرار  الجمركي.


هذا  عدا أن سرعة المعاملات في ميناء عدن لوجود الرافعات الثقيلة  كانت هي  الافضل والاسرع وهذا مايستحسنه التاجر  لأنه يقلل من التكلفة بدليل أن التجار ينتظرون في ميناء الحديدة ايام أكثر لم تكن بالحسبان من أجل تخليص بضائعهم .
واستطرادا وعندما يتعلق الأمر  بتعمق الأزمة الاقتصادية والمعيشية في مناطق سيطرة الشرعية وارتفاع حجم التحديات فإن تعاظم مع حجم  الركود الاقتصادي  الذي أصاب قطاع العقار بمقتل .والأخير  كان يوظف عشرات الآلاف من العمال  الأكثر فقرا والأقل تأهيلا  الذي كانوا يعملون في ظل رواج قطاع العقار وقد تسبب هذا الوضع  في تراجع كبير في  دخول  مختلف اصحاب عوامل الإنتاج بدءا من تدني عوائد  مصانع الاسمنت  والتي  تراجعت مبيعاتها بنسبة 40 في المائة تقريبا ونفس الحال في توقف اعمال المقاولات و عوائد منتجي الاحجار  والبردين والكري والنيس وفقدان سائقي ومالكي الشاحنات دخولهم  والذي جاء على إثر  الركود العميق الذي شهده ويشهده قطاع  البناء وفي عدن تحديدا انعكس ذلك على تدني  دخول أصحاب البقالات والمطاعم  وغيرها من الأنشطة الخدمية التي وجدت نفسها متعثرة وبنسبة كبيرة جدا وانتقل جزء كبير من العاملين وسيارات النقل الى مناطق أخرى وبعضهم عرض شاحناته وانشطتة للبيع وبأسعار بخسة  مع ركود اوتوقف أنشطة البناء في مدينة عدن.


وعلى الرغم أن الركود الذي يشهده قطاع العقار يعود لعوامل خارجية بشكل رئيسي  بعد أن وجه المغتربين  تحويلاتهم التي كانت تسهم بنسبة كبيرة في  إنعاش ورواج  قطاع العقارفي بلدهم  إلى الاستثمار في مناطق عملهم  بعد أن فتحت السعودية الابواب و  الفرص أمام المغتربين العاملين في بلادها للاستثمار في المناطق الصناعية والمدن السكنية الضخمة التي شرعت في بنائها وفق رؤية المملكة 2030. لكن الإجراءات التنظيمية والأمنية التي اتخذت في عدن.. والتي منعت أصحاب عوامل الإنتاج من بيع مدخلات قطاع العقار إلا عبر رخصة من الجهات الأمنية وشددت إجراءات منع البناء إلا عبر رخصة  عملياتها معقدة ومكلفة ضاعفت  من ركود قطاع  البناء.


هذا الوضع انعكس سوءا على النشاط الاقتصادي المرتبط بعمل قطاع البناء والتشييد  كما حدث ذلك في المرافق  التي تتأثر سلبا وايجابا بميناء عدن.


غياب الرؤية :
مع تأثر قطاع العقار سلبا  بعوامل خارجية كان ينبغي أن تكون المعالجة مختلفة تماما لا أن تزيد التحديات أمام القطاع والمشتغلين فيه.


 .كان يتعين أن تكون أمام الدولة والمجالس المحلية رؤية اقتصادية لمعالجة الصعوبات والتقليل من حجم ركود قطاع البناء تتجه لتوفير  الحوافز التي تضمن استمرار وتشجيع  نشاط قطاع العقار مع تراجع تحويلات المغتربين. اقول هذا رغم ادراكي  لأهمية تنظيم  عمليات البناء لكن رغم أهمية هذا الجانب ومنطلقات  الإجراءات إلا ان العملية  اخذت بعدا أمنيا  عمدت على عسكرت قطاع البناء و فاقت  الإجراءات  كل الحدود في هذا السياق  أصبح معيار نجاح الحملة الأمنية من وجهة نظر القائمين تنصب كم حجم البناء الذي قمنا بتوقيفة ولا شيء ٱخر وهذا مؤسف.


واجمالا فإننا  نستنتج أن الأزمة الاقتصادية الحالية والآثار الاجتماعية والمعيشية التي ترتبت على تراجع نشاط ميناء عدن والتي  ترافقت  وتعززت مع تراجع قطاع العقار قد  انعكست على انخفاض الطلب الكلي والقطاعي  وعندما نضيف لهذه العوامل تٱكل دخول الناس مع تدهور سعر الصرف فقد أدى ذلك وفق علم الاقتصاد إلى تراجع الاستهلاك الكلي  وبالتالي تراجع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد..


والمفارقة  أنه يحدث  ذلك في ظل  توقف عوائد صادرات النفط التي تمول موازنة الدولة بالموارد وتصرف على رواتب موظفي الدولة وكانت محصلة كل هذه  العوامل أزمة اقتصادية و اجتماعية ومعيشية خانقة و  غير مسبوقة .


وفي الاخير ارجو ان تراجع الحكومة و الجهات المختصة في عدن على وجه الخصوص إجراءات منح رخص البناء وازالة التعقيدات والمعوقات  التنظيمية والامنية وتقليل تعدد الجهات المسؤولة عن منح التراخيص وترك الناس تنتج و تبيع وتشتري بكل حرية و  أريحية بقليل من القانون  وبكثير من العمل.


ولن يتأتى ذلك إلا في ضوء دراسة اقتصادية سريعة و جادة  لمعرفة الآثار والأضرار الاقتصادية والمعيشية  التي ترتبت على  هذه الإجراءات مع تراجع قطاع العقار و الأنشطة المرتبطة به   التي كانت تعمل وتؤمن مدخلات قطاع العقار . ولأن الشيء بالشيء يذكر  فإننا  نرجو  من ادارة. ميناء عدن ان لاتبقى متفرجة ولابد من ديناميكية...في هذا السياق نقترح أن تجرى  تقييما اقتصاديا وإداريا وماليا لعمل ميناء عدن في ظل المتغيرات التي حدثت ومعالجة  الأسباب التي أدت إلى زيادة  تراجع نشاط  وعوائد  ميناء عدن. ويجب أن يتم هذا التقييم  بالتنسيق مع وزارة النقل وترفع نتائج التقييم مع المقترحات اللازمة إلى مجلس الوزراء باتجاه معالجة و توفير الحوافز وزيادة عمليات الجذب التي تؤمن  إعادة نشاط ميناء عدن وان بحده الادنى إلى أن يفرجها الله من عنده أنه السميع العليم  .  

د.يوسف سعيد احمد

مقالات الكاتب