موناكو.. قرية باقتصاد دولة (حوار)

موقع اريبيان بزنس

موناكو دولة صغيرة جداً. فمساحتها تبلغ 2 كيلومتر مربع فقط، وتعداد سكانها، دون احتساب من يجيئون للعمل فيها يومياً،  يبلغ 37 ألف نسمة فقط. ومع ذلك فإن اقتصادها يبلي بلاء حسناً، حيث بلغ ناتجها المحلي الإجمالي في العام 2015 ، 5.64 مليار يورو.

ينطبق على إمارة موناكو الساحرة تعبير «القرية الدولة» فهي بالفعل دولة صغيرة هادئة تغفو على ضفاف الريفيرا الفرنسية، ومع ذلك فإنها تجتذب الأضواء أكثر من دول كبرى. وللوقوف على الأداء الاقتصادي لإمارة موناكو، التقت أريبيان بزنس السيد ميشيل دوتا، رئيس المجلس الاقتصادي في الإمارة والذي يعد (وزير اقتصاد في الإمارة) وسألته بداية أن يعطي نظرة شاملة للأداء الاقتصادي الشامل للإمارة في العام 2016، فأجاب :
نحن عادة ما نتأخر في إصدار أرقام الناتج المحلي الإجمالي لإمارة موناكو لأكثر من عام. وللأسف فنحن نضطر لذلك لأن المعلومات الدقيقة والأرقام الخاصة بالناتج المحلي الإجمالي تستغرق وقتا للوصول إلينا. أستطيع أن أعطيك أرقام الناتج المحلي للإمارة للعام 2015 وطبعا للعام 2014 ، لكن أرقام 2016 ليست جاهزة بعد.
ففي 2015 بلغ إجمالي الناتج المحلي للإمارة 5.64 مليار يورو. ولقد نما الناتج المحلي الإجمالي في 2014 بشكل لا يصدق، حيث كانت نسبة النمو 7.5 بالمائة عن العام الذي سبقه. أما في العام 2015 فقد نما الناتج المحلي بنسبة 5.4 بالمائة، وهذا النمو يعتبر مرتفعا مقارنة بالنمو في باقي الاقتصادات العالمية ، حيث بلغت نسبة النمو عالمياً 2.5 بالمائة، أما في دول الاتحاد الأوروبي فقد كانت 1.9 بالمائة فقط. وبالمقارنة ستجد أن اقتصاد موناكو حقق أداء جيدا في ذلك العام. وكانت حصة الفرد من الناتج الإجمالي هذا حوالي 70 ألف يورو.
الناس يأتون للعمل هنا في موناكو من أماكن بعيدة في العالم، لكن معظمهم يأتون من إيطاليا وفرنسا. وسأبلغك شيئا طريفا عن إمارة موناكو. ففي العام الماضي أي 2016 بلغ تعداد سكان موناكو 37 ألف نسمة، لكن في الواقع كنا ندفع 52 ألف راتب كل شهر. وهذا يعني أن من يعملون في موناكو،  يزيدون كثيرا عن تعداد سكانها. والسبب في هذا هو أن إمارة موناكو هي شيئ مختلف ومتفرد، كما هو الحال عندكم في دبي.  

لكن هل السبب في ذلك هو أن إمارة موناكو هي جنة ضريبة، لا يوجد فيها ضرائب على العاملين فيها؟.
لا أبدا،،، ليس هذا هو السبب. السبب الأول هو أن هؤلاء يعملون هنا، والضرائب التي تفرضها موناكو عليهم هي اقل من الأماكن المجاورة، كما أن نظام العمل الاجتماعي بحد ذاته أفضل من أماكن عدة مثل مدينة نيس الفرنسية المجاورة على سبيل المثال.

وهل يعني هذا أن هؤلاء الـ 52 ألفا الذين يعملون في موناكو، يعيشون في الإمارة؟.
لا ،، هناك 10 آلاف شخص فقط من هؤلاء يعيشون في موناكو، أما الباقون والذين يبلغ تعدادهم 42 ألفاً، فهم من الذين يأتون إلى موناكو صباحا، ويعودون إلى المناطق التي جاؤا منها مساء . هم لا يعيشون هنا، بل يعيشون خارج موناكو. بعضهم يسكن على بعد نصف ساعه أو ساعه وربما ساعة ونصف بالسيارة أو بالقطار عن موناكو، وهم يأتون صباحا ويعودون مساء إلى منازلهم.

ماذا عن توقعاتك سيد ميشيل، للأداء الاقتصادي في هذا العام أي في العام 2017؟.
في الواقع، لا يزال من المبكر جدا الحديث عن الأداء هذا العام. لكن استطيع أن أوكد أن النتائج ستكون إيجابية. فاقتصادنا لم يشهد تراجعا أبداً منذ الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة في عام 2009.  بل على العكس تماما، فاقتصادنا يشهد نمواً منواصلا منذ ذلك العام.


اقتصاد موناكو ليس معتمدا على جانب واحد، كما هو الحال في بعض دول العالم الأخرى، كالدول النفطية مثلا، بل هو اقتصاد متنوع جدا. في العام الماضي كان قطاعا البنوك والتأمين هما القطاعان القياديان في اقتصاد موناكو حيث ساهما بنسبة 16 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي. وجاء في المرتبة الثانية قطاع الإنشاءات الذي ساهم بنسبة 12 بالمائة من الناتج المحلي. في حين حل قطاع الخدمات المقدمة للشركات، أي الاستشارات والمحاماة في المرتبة الثالثة. أما قطاع العقار فقد جاء رابعا في المساهمة بالناتج المحلي بنسبة مساهمة بلغت 8 بالمائة.


وجاء بعد ذلك قطاع الضيافة والسياحة والتجزئة أيضا بنسبة 12 بالمائة ، وبعدها قطاع التجارة الدولية بمساهمة بلغت 10 بالمائة، كما أن التعليم هو من القطاعات الرئيسية المساهمة بالناتج المحلي حيث ساهم هو وقطاع الرفاهية الاجتماعية، بنسبة 7 بالمائة.


وهذا يشرح لك تنوع الاقتصاد الموناكي، وبعده عن الاعتماد على قطاع واحد بذاته. وبالطبع فإن هذا التنوع الاقتصادي، يساعد كثيرا في تجنب الأزمات الاقتصادية بل وفي تجاوزها أيضا.  وهذا ما فعله اقتصاد موناكو حتى يومنا هذا على الأقل.


وخلافا لما يظنه الجميع، فإن إمارة موناكو لا تعتمد على السياحة كعامل رئيس في اقتصادها. لقد كان هناك من قبل، ربما قبل 15 أو 20 عاما،  اعتماد كبير على السياحة، لكن هذا لم يعد موجودا الآن. اقتصادنا أصبح أكثر توازنا الآن. لا شك أن السياحة هي عامل اقتصادي هام، ولكن في اقتصاد موناكو ليست هي المساهم الأكبر في الناتج الإجمالي المحلي.
وكما ترى فإن اقتصادنا متنوع فهناك أيضا الخدمات التي نقدمها للأشخاص العاديين، وهناك أيضا قطاعات تقنية المعلومات، وكذلك قطاع النقل والتخزين التي تساهم بما بين 4 و5 بالمائة من الناتج المحلي. قطاع تقنية المعلومات ينمو بسرعة عالميا كما هو الحال عندكم بدبي حيث تنشئون الآن مدينة ذكية وحكومة ذكية وغيرها.

هل هناك أية تحديات يواجهها اقتصاد موناكو؟ وماهي برأيكم أبرز تلك التحديات؟
بالطبع لدينا تحديات، أبرزها كيفية الموائمة بين النشاط عالي المستوى أي حركة السير وغيرها، مع نوعية الحياة. لا بد من إيجاد توازن ما بين هذين الجانبين، وهذا باعتقادي شيئ صعب جداً. لدينا الآن حركة سير زائدة، ولدينا عدد أكبر من البشر. وفي الحقيقة، فقد بدأ الناس يتذمرون من زحمة السير ومن تصاعد وتيرة الإنشاءات وعمليات البناء. فهم يريدون إنشاءات أقل، كما يريدون حركة سير أخف، وسبب ذلك هو أن موناكو دولة وعاصمة وقرية في آن واحد. هذه هي أبرز تحديات الاقتصاد. نحن بلد صغير جداً، وعلينا أن نتوسع في مساحة الإمارة ولكن ليس هناك مكان للتوسع على الإطلاق. نحن بلد مساحته 2 كيلومتر مربع فقط ، ولا نستطيع حتى إيجاد مكان لملعب للعبة الجولف مثلا.

لكن وعلى الرغم من ذلك فإن اقتصادكم جيد بل وممتاز ويستطيع المنافسة بقوة مقارنة مع دول أخرى صغيرة في آسيا أو في أفريقيا؟.
أنا أوافقك الرأي. لقد سألتني عن التحديات وهذه هي التحديات التي نواجهها. لابد من الحفاظ على الإمارة وتوسعاتها دون إلحاق الضرر بنوعية ومستوى حياة السكان. هذا تحد كبير.

هل تواجهون منافسة خارجية من الدول المجاورة مثلا؟.
لا أبدا فنحن دولة صغيرة جدا ولا نستطيع المنافسة مع الآخرين. المنافسة التي نخوضها هي منافسة مع أنفسنا فقط. الناس يحبون المجيء إلى موناكو لأنها مختلفة. هم كمن يأتي إلى ناد.

ماذا عن قضية الأمن في المنطقة هنا، وهل أثرت المشاكل الأمنية والتفجيرات والأعمال الإرهابية كتلك التي شاهدناها في نيس قبل بضعة أشهر على الاقتصاد الموناكي؟.
نعم بالطبع أثرت علينا بشكل كبير. فنحن جزء من هذه المنطقة. وما حدث في يوم 14 يوليو/تموز العام الماضي في شاطئ مدينة نيس، أثر علينا وسبب ذلك هو أن مطار نيس تأثر كثيرا بفعل ذلك العمل الإرهابي، فتراجع عدد الطائرات التي تهبط في المطار كما تراجعت أعداد السياح الأمريكيين الذين يزورون منطقة الكوت دازور والريفيرا الفرنسية بسبب ذلك.

أريد أن أسألك الآن عن العلاقات الاقتصادية المتنامية بين إمارة موناكو ودول مجلس التعاون الخليجي، وبخاصة علاقاتكم مع دبي وأبوظبي؟ هل لديكم علاقات جيدة مع هذه الدول.
في الواقع لدينا علاقات مع هذه الدول، لكن هذه الدول لها علاقات أكبر واقوى مع أوروبا. ليس لدينا الكثير من العلاقات التجارية معها، وفي الواقع هذا هو أيضاً حال علاقاتنا التجارية مع الدول الأخرى في آسيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، فهي كلها علاقات جيدة عموماً لكنها ليست علاقات تجارية ذات مغزى كبير.
وكما تعلم فإن أي سفير يقدم أوراق اعتماده ليصبح ممثلا لبلاده في فرنسا على سبيل المثال ، يصبح مباشرة سفيرا لبلاده هنا في موناكو ويقدم أوراق اعتماده لأمير موناكو الأمير ألبرت أيضا. كما أن كل سفراء ووزراء دول العالم يأتون باستمرار إلى هنا وهم يعربون دائما عن رغبة قوية في بناء علاقات تجارية مع موناكو. وهذا ما أبداه بالفعل سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى فرنسا، وبالطبع لدى موناكو، الذي زارنا هنا واجتمع معي قبل 6 أو 7 أشهر. وفي الحقيقة فقد زارني أيضا سفراء البحرين والكويت وقطر غيرهم من دول التعاون وأبدو جميعا رغبة بتمتين العلاقات مع موناكو.


وفي يوليو/تموز الماضي زارنا هنا في موناكو وفد تجاري إمارات برئاسة وزير الاقتصاد معالي سعيد المنصوري من أجل تعزيز العلاقات التجارية بين الإمارات وموناكو. وقد تم توقيع اتفاقيات تعاون عدة بين الجانبين.


أنت تعلم أن هناك شبها كبيرا بين إمارة دبي وإمارة موناكو. ففي هاتين الإمارتين، هناك تعداد سكاني متنوع حيث يعيش بدبي رعايا أكثر من 200 جنسية، فيما يعيش في موناكو رعايا حوالي139 جنسية.  وفي الإمارتين هناك مناخ متعدد الثقافات وهناك أسرتان حاكمتان هما آل مكتوم وآل غريمالدي، وكل هذا يجعل منهما إمارتين تتمتعان بعلاقات جيدة مع بعضهما، لاسيما أن هناك أيضا استقرار سياسي في الجانبين، وهذا يعني أن بإمكان الإمارتين إقامة علاقات قوية ودائمة وتتسم بالاستمرارية، حيث أن التغييرات السياسية المفاجئة ليست من طبيعة الإمارتين على الإطلاق. وكل هذا يدفعني للاعتقاد بأن العلاقات بين موناكو والإمارات عموما ودبي خصوصا ستكون علاقات وطيدة وقوية ومستمرة.  فالاستقرار السياسي يخلق باستمرار، استقرارا اقتصاديا أيضا، وكلاهما يؤدي إلى زيادة العلاقات التجارية والاقتصادية وغيرها من العلاقات.   
وقد ترأس معالي سلطان بن سعيد المنصوري وزير الاقتصاد الإماراتي بين 3 و7 يوليو/تموز الماضي بعثة تجارية زارت منطقة الريفيرا الإيطالية وجنوب فرنسا وضمت عدداً من المسؤولين وممثلي مجتمع الاعمال بهدف تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع فرنسا وإيطاليا وموناكو واستكشاف أسواق جديدة أمام الصادرات الاماراتية وتعزيز الروابط بين مجتمع الاعمال في البلدان الثلاثة.
ونظم هذه البعثة غرفة تجارة وصناعة دبي بالتعاون مع وزارة الاقتصاد في دولة الإمارات حيث زار الوفد المؤلف من 20 شخصاً مدن جنوى وموناكو ونيس وعقد لقاءات واجتماعات مع المسؤولين الحكوميين في هذه المدن وممثلي القطاع الخاص فيها.


وفي موناكو عقد الوفد لقاءات أعمال شملت عروضا تعريفية حول الفرص الاستثمارية مع المجلس الاقتصادي في موناكو وهيئة السياحة واكسبو موناكو كما زار بعد ذلك مركز جريمالدي للمؤتمرات والمعارض الشهير في موناكو.


واطلع على عروض تعريفية حول الفرص الاستثمارية ومجالات التعاون المشتركة بين الإمارات وموناكو من المجلس الاقتصادي في موناكو وهيئة السياحة بموناكو واكسبو موناكو.
وزار الوفد بعد ذلك مركز جريمالدي للمؤتمرات والمعارض الشهير في موناكو، حيث اطلع من القائمين عليه على ابرز الفعاليات التي يستضيفها المركز، وناقش كيفية تنسيق التعاون بينه وبين الجهات المعنية في الدولة لتبادل الخبرات والمعارف.

الوكيل الحصري في اليمن: شركة مسلم التجارية