تعرف حول أسباب هجرة الأدمغة والكفاءات

عن | موضوع :
تنوّعت الهجرات على امتداد الزمن، واختلاف الأقوام، والدُّول، منها ما كان فرديّاً، ومنها ما كان جماعيّاً، حيث اختلفت مُسبِّباتها، وغاياتها، وتُعتبَر ظاهرة هجرة الكفاءات، والأدمغة إحدى هذه الهجرات، وهي ظاهرة تجمع بين القِدم، والحداثة؛ إذ تمّ تناولها بالكتابة ابتداءً من منتصف القرن المنصرم، وحتى وقتنا الحاليّ، كما أنّها ظاهرة تحتلّ أهمّية بالغة؛
 
نظراً لتأثيرها في التطوُّر الاقتصادي، والتنمية، والسكّان، وما إلى ذلك، إضافة إلى أنّ أهمّيتها تنبعُ من الكفاءات العِلميّة المُتخصِّصة التي يتمُّ فُقدانها بشكل مُتزايِد، ومن الجدير بالذكر أنّ هذه الظاهرة تشّكل واحدة من أبرز المشاكل في الدُّول النامية، وهي من مظاهر الخلل فيها؛ حيث إنّها تُعَدُّ عائقاً للتنمية، والتطوُّر يشمل أهمّ عنصر في تكوينها.
 
وبالتطرُّق إلى ظاهرة هجرة الكفاءات والأدمغة، فإنّه لا بُدّ لنا من تعريف الهجرة، حيث نجدها في اللغة مأخوذة من هَجَرَ، يَهجُرُ، هُجراناً؛ أي: قَطَعَه، وأعرضَ عنه، وهي: الانتقال من أرض إلى أرض أخرى، أمّا هجرة الأدمغة والكفاءات، فتُعرَّف على أنّها: انتقال الكثير ممّن يتمتّعون بدرجة عالية من التعليم، والمهارة، من دولة إلى أخرى؛ للحصول على ظروف معيشيّة أفضل، وللحصول على فُرص عمل ذات دخل أكبر.
 
الأسباب :
 
يمكن تقسيم عوامل والأسباب التي تؤدّي إلى هجرة الأدمغة والكفاءات بشكل عام إلى قسمين، هما:
 
[١] عوامل وأسباب طاردة (داخليّة)؛ حيث تتمثّل بعدّة أمور، منها ما يأتي: أسباب اقتصاديّة وإداريّة، وأمنيّة؛ حيث يحاول الفرد الحصول على ظروف تتعلَّق بمعيشة أفضل، ومن هذه الأسباب التي تدفع بالفرد إلى الهجرة: مستوى الدخل، والبطالة، والإمكانيّات الاستثماريّة للدولة، وعدم شموليّة عمليّات التخطيط للقوى العاملة، وعدم توافق السياسات التعليميّة مع احتياجات التنمية، وضعف المتابعة للطلبة الذين يدرسون في الدُّول الأخرى، وضعف عمليّات البحث العلميّ، وقلّة الإمكانيّات المُتاحة له، والسياسات التنموية، والتشريعات التي يعتريها الخلل، وتعقيد الإجراءات في الأجهزة الإداريّة، كالمحاباة، والمركزيّة، وضعف المقدرة على اتّخاذ القرارات، والفساد المتعلّق بالنواحي الماليّة، والإداريّة، وعدم استقرار الأوضاع الأمنيّة، وغيرها من الأمور.[١]
 
أسباب ذاتيّة، كعدم تقدير العلماء في بعض الدول، وعدم توفير الظروف المناسبة لهم، وعدم الثقة في أفكارهم الجديدة، ومعاناتهم من عدم وجود تخصّصات تفي بمؤهّلاتهم العلميّة، كصناعة الصواريخ، أو دراسة علم الفضاء، وغيرها.[٢]
 
التكيُّف الاجتماعيّ في الدُّول الأجنبيّة، وصعوبة القوانين التي يجدها الفرد في حال أراد العودة إلى بلده، مثل عدم السماح للفرد الذي يتزوّج بأجنبيّة بشَغْل أيّة مناصب ذات شأن في البلد الأصليّ.[٢]
 
عوامل وأسباب جاذبة (خارجيّة)؛
 
حيث تتمثّل بعدّة أمور، منها: التقدُّم الاقتصاديّ، والمستوى المعيشيّ المرتفع في الدُّول التي تتمّ الهجرة إليها.[١] توفُّر الوسائل اللازمة للبحث العلميّ، والتطوير، إضافة إلى توفير الفرص للمُتخصِّصين، وفتح المجالات الواسعة لهم.[١]
 
[٢] توفُّر الاستقرار السياسي، والنفسيّ، والأمنيّ، والديمقراطيّ.
 
[١] قلّة الأدمغة العلميّة في الدُّول المُتقدِّمة؛ نظراً للانخفاض في أعداد ذوي الاختصاصات التقنيّة، والعِلميّة، وهذا الأمر يؤدّي بها إلى تقديم وتوفير كافّة المُغريات لسدّ النَّقص الحاصل.[٢] تشجيع السياسات، والقوانين في الدُّول المُتقدّمة، وتحفيزها للأفراد المُتخصِّصين، وذوي الكفاءات؛ بهدف جَذبهم إليها.[٣]
 
تزايد نسبة الطلب على العمالة المُتخصِّصة في سوق العمل.[٣]   
 
الآثار السلبيّة تتنوّع الآثار السلبيّة التي تتركها هجرة الكفاءات والأدمغة في شتّى المجالات، والتي من أبرزها ما يأتي:
٣] توسُّع الفجوة بين الدُّول المُتقدِّمة الجاذبة، والدُّول الأصليّة. تبعيّة الأدمغة والكفاءات ثقافيّاً للدُّول التي هاجروا إليهان ممّا يساعد على زيادة الفجوة بينهم، وبين عاداتهم وتقاليدهم التي نشأوا عليها، وبالتالي التأثير سلباً في هويّاتهم. زيادة الإنفاق، وذلك عبر توظيف كفاءات من الدُّول الأخرى؛ لسَدّ النَّقص، ممّا يجعل الخسائر المادّية التي تمّ إنفاقها على تعليم الكفاءات المهاجرة، خسارة هائلة؛ بسبب التكلفة المرتفعة لاستقطاب الكفاءات الأجنبيّة التي ستسدُّ النَّقص الحاصل في تلك الكفاءات والأدمغة. ضعف إجراء البحوث العلميّة، ممّا يعني تبعيّة الدُّول الفاقدة للكفاءات، للدُّول الجاذبة لها. الخسارة الماليّة الكبيرة، والمُتمثّلة بالموارد الوطنيّة التي تمّ إنفاقها في سبيل تعليم هذه الكفاءات. الخسارة الكبيرة في ميادين التعليم، وعرقلة التطوُّر الفكريّ، والتأثير في عمليّات التنمية، وزيادة المهامّ، والأعباء على الأفراد المُتبقِّين، ممّا قد يؤدّي إلى فتورهم، وزيادة اللامبالاة لديهم، وبالتالي الشعور بالإرهاق، والضعف في الإنتاجيّة.[١][٢]
 
زيادة نسبة التوتُّر في سوق العمل، وخاصّة فيما يتعلَّق بالكفاءات ذات المهارات العالية؛ وذلك بسبب فقدان نسبة كبيرة من القوى المُنتِجة، وفي الميادين المختلفة.[٢] فقدان المقدرة على الرقيّ بالمستوى الاقتصاديّ، والصحّي، والاجتماعيّ؛ نتيجة لفقدان العلماء، والمُتخصِّصين في هذه المجالات، وغيرها.[٢]
 
الآثار الإيجابيّة على الرغم من الآثار السلبيّة الناتجة عن هجرة الكفاءات والأدمغة، إلّا أنّ لها عدّة آثار إيجابيّة، منها: التحويلات الماليّة؛ حيث يتّضح ذلك من خلال حجم الأموال التي يحوّلها الأفراد إلى الدُّول الأصليّة، ممّا يساهم في عمليّة التنمية.[٣]
 
تبادل المعرفة ونَقلها إلى الدُّول الأصليّة، عبر المؤتمرات، والمشاركة في المشاريع العلميّة.[٣]
 
تمتُّع المهاجرين بالمهارات اللازمة لعمليّة التنمية، وبما يصبّ في مصلحة أوطانهم.[٥] دَفْع عمليّة التطوُّر، والتكنولوجيا، وتوفير الدعم اللازم للتنمية في الدُّول المُستقطِبة للكفاءات والأدمغة.[١]
 
حلول مقترحة تُشكّل هجرة الأدمغة والكفاءات خطراً على خُطط التنمية في الدُّول الفاقِدة لهذه الكفاءات، ممّا يعني الضرورة الحاسمة لإيجاد حلول من شأنها الحدّ من هذه الظاهرة، وفي ما يأتي بعض الحلول المُقترحة:[٢] احترام الحرّيات الأكاديميّة؛ وذلك عن طريق عدم وضع أيّ عوائق، أو حواجز في طريق العلماء، والأكاديميّين أثناء بحثهم عن المعلومات، وتبادلهم للأفكار، واستخدامهم لمختلف وسائل التطوُّر الحديثة. تعديل نظام الرواتب، والأجور التي يتمّ تخصيصها للكفاءات العلميّة، بالإضافة إلى توفير الحوافز المادّية المُرتبطة بالبحوث العلميّة، كتوفير السكن الملائم، والتسهيلات اللازمة لأداء أعمالهم بشكل فعّال، وتحسين الأوضاع المعيشيّة لهم، إضافة إلى تأمين الاستقرار النفسيّ لهم.[١][٢] الحرص على التواصل المُستمرّ بين الدُّول الأصليّة، والكفاءات المُهاجرة. الحرص على توفير الفُرَص للكفاءات المُهاجرة للمشاركة في المؤتمرات العلميّة، والفكريّة داخل أوطانهم الأصليّة. تعديل سياسة التوظيف، وإصلاحها، وذلك بوضع الكفاءات في المناصب المُلائمة لها.[١]
 
استثمار الكفاءات المحلّية، وتفضيلها على الخبرات الأجنبيّة في عمليّة التنمية.[١]
 
التركيز على زيادة مهارة الأفراد في التخصُّصات الضروريّة لأسواق العمل العالَميّة، ممّا يجعلها قادرة على تحدّي العمالة الأجنبيّة.[١]
 
تنمية المُؤسَّسات العلميّة بما يجعلها تُركِّز جهودها على تنمية الفكر الحُرّ، والتفكير النّاقد، إضافة إلى عدم تسييسها.[١]
 
إيجاد بيئة علميّة مناسبة وملائمة للكفاءات المُهاجرة.[٣] توفير البُنية الضروريّة واللازمة للبحوث العلميّة، عن طريق إزالة كلّ ما يُعيق إجراءها، بالإضافة إلى تقديم التقييم المُنصِف للكفاءات العلميّة.