السياسات المالية والنقدية الممكن الأخذ بها لمواجهة حالة الركود التضخمي في الاقتصاد اليمني

■ لمواجهة الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية كتبت العديد من المقالات كما تناول باحثين آخرين ووسائل الإعلام المختلفة الكثير من التحليلات والمقترحات الواقعية  للمعالجة،  إلا أن السلطات القائمة غير حاضرة في الواقع ولا تهتم بمواجهة الأزمة بصورة واقعية ،  ولذلك فإن الوضع الاقتصادي والإنساني يزداد تدهورا  مع انهيار واضطراب وتقلبات مستمرة للوضع الاقتصادي. ولهذا السبب  نعود من جديد للكتابة بصورة أكثر وضوحا وبساطة لما ينبغي العمل به من السياسات والإجراءات الواقعية الممكنة لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الوضع الاقتصادي المنهار  ووقف تدهور سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأخرى والعمل على تعافيها  مع الأخذ بعين ألاعتبار  النهج الاقتصادي المعمول  به عملا بتوصيات صندوق النقد الدولي   .

وذلك حسب مانراه  ونوضحه بما يلي  :

كما هو معلوم بأن الاقتصاد اليمني منذ بداية الحرب في عام 2015 يمر بتقلبات حادة مع انهيار مؤسسات الدولة والتي أهمها بالنسبة لموضوعنا هذا  (( وزارة المالية والبنك المركزي )) ، وفشل السلطات الحاكمة واستمرار الحرب وعدم القدرة على مواجهة أضرار الحرب والتعافي لهذين المؤسستين. الأمر الذي أوصل البلاد لأزمة اقتصادية حادة،  أبرز ملامحها ما يعرف  بحالة (( الركود التضخمي )) ، بما يعني ارتفاع هائل لمعدلات التضخم وتصاعد كبير لأسعار السلع والخدمات مع تآكل غير مسبوق للقيم الشرائية للدخل الأسري وبالتالي بروز ما نشاهده حاليا من أزمة كساد للسلع والخدمات في الأسواق اليمنية. وهذا الوضع لا شك قد أثر سلبا  وبصورة بالغة على ما تبقى من الاستثمارات الوطنية. إذ يلاحظ بأنها اما في حالة جمود تصارع التقلبات للبقاء أو يتراجع نشاطها بصورة ما تؤدي  الى البحث عن استثمارات بديلة في دول أخرى.  وقد لوحظ مؤخرا بأن هجرة  رأس المال الوطني تتزايد بصورة ملحوظة ويستوطن في دول مختلفة من أهمها: تركيا،  مصر ، دول مجلس التعاون الخليجي، ماليزيا. ....وغيرها من الدول. الأمر الذي يحتم على السلطة الشرعية المعترف بها دولياً أن تتحمل المسؤولية وتحضر بصورة  فاعلة  للمواجهة . وبرأينا يمكن أن يكون ذلك بمسارين : الاول : تكثيف كافة الجهود السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى العسكرية لمواجهة الحرب وتحقيق السلام والآخر : نكران الذات والتضحية بالمصالح الخاصة المكتسبة خلال سنوات الحرب من خلال مواجهة ظواهر الفساد بإرادة  قوية وفاعلة وبنفس الوقت تمكين جهازي الدولة المالي والمصرفي من التعافي وتفعيل ادواتها المتمثلة بوزارة المالية وفروعها وكذا البنك المركزي وفروعه بصورة تكون فيها كل من وزارة المالية والبنك المركزي قادر على استخدام أدواته  لمواجهة حالة الركود التضخمي وإعادة قدر من التوازن الاقتصادي بأدوات غير مباشرة تنسجم مع نهجها الحالي الموصى به من صندوق النقد الدولي .وبراينا أن ذلك  يمكن باتباع ما يلي :

اولا : في مجال السياسة المالية :
العمل بسياسة تقشفية ويمكن ذلك من خلال الإجراءات التالية :
- مواجهة الفساد في كافة الأوعية الايرادية للدولة وتمكين وزارة المالية من السيطرة التامة على كافة الأوعية والموارد المالية المتاحة وتدفقها لحسابات الوزارة في البنك المركزي وفروعه. 
- العمل بموازنة عامة تقشفية،  بحيث يتم الغاء بنود من الموازنة العامة وتخفيض بعضها لأدنى مستو ممكن وتقييد الإنفاق بهذه الموازنة ويحاسب اي خروج عنها. 
- رفع مستوى تدفق الموارد المالية للدولة لأعلى مستو ممكن، من خلال إصلاح للاوعية الايرادية وتطهيرها من عناصر الفساد،  بحيث تقوى أجهزة الرقابة والمحاسبة الداخلية والخارجية ومواجهة اية انحرافات بإرادة  قوية. 
- تحديث وتطوير أنظمة الضرائب. وبهذا المجال نقترح العمل بنظام الضرائب التصاعدية والذي  من شأنه تحقيق قدر عالي من العدالة الاجتماعية في توزيع الدخل القومي،  إذ أن ذلك من شأنه تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء وبنفس الوقت توسيع ورفع القدرة الشرائية للسكان وايضا رفع مستوى الطلب الكلي لمواجهة الكساد. 
- توحيد أنظمة دفع رواتب منتسبي الدولة،  من خلال العودة للعمل بالأنظمة المالية التي كان معمولا  بها قبل الحرب  (( النظام المالي الموحد )) ، مع أهمية عدم تجاوز أنظمة الرواتب والأجور والتقيد بالقوانين والأنظمة سارية المفعول ،  فلا يسمح لما هو حاصل من  التباين لأنظمة دفع الرواتب والأجور  لمنتسبي الدولة .  إذ يتقاضى بعض منتسبي الدولة رواتبهم بالريال السعودي والدولار الأمريكي وآخرون بالريال اليمني،  الأمر الذي  يعقد وضع استعادة الدولة وارباك الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.  ويمكن مواجهة ذلك بالتفاهم والتنسيق الفعال بين السلطة اليمنية وكل من دولتي السعودية والإمارات العربية.

ثانيا : في مجال السياسة النقدية : 
ندرك بأنه مع استمرار  انقسام البنك المركزي وجهازه المصرفي والعملة الوطنية والفشل في المواجهه يضع البنك المركزي في وضع صعب للغاية وتحدي عالي المستوى لتفعيل أدوات السياسة النقدية الخاصة بمواجهة التقلبات الاقتصادية وفي مقدمتها حالة الركود التضخمي التي تواجه الوضع الاقتصادي الحالي . ومع ذلك يمكن للبنك المركزي التغلب على ما يواجهه من التحديات والعمل بما يلي :
- حضور يومي فاعل للبنك المركزي وفروعه في المحافظات للرقابة على ما يدور في السوق النقدية وبالأخص في محلات الصرافة والمنافذ الدولية،  حتى يكون على علم حقيقي بما يدور وبالتالي مواجهة انفلات محلات الصرافة ومنع عمليات المضاربة بأسعار الصرف وبنفس الوقت الحد من تسريب العملات الأجنبية المتدفقة للخارج بصور مختلفة منها الإنفاق العام الخارجي وغسيل الأموال. 
- مراقبة ميزان المدفوعات اليمني والعمل ما أمكن لمواجهة اختلالاته. 
- التنسيق مع وزارة المالية فيما يتصل بنوافذ الإنفاق العام لمؤسسات الدولة ومنها دفع الرواتب والأجور،  بحيث يوضع حد للفوضى في تباين وصرف الرواتب والأجور بعيدا عن رقابة البنك المركزي. 
- العمل على تعافي الجهاز المصرفي المنهار،  بحيث تستعيد البنوك قدر من الثقة لعودة تدفق أموال الدورة النقدية ومدخدرات المواطنين ، على الأقل في  البنوك التابعة للدولة وكذلك البنوك المدرجة في الشبكة العامة التي يعمل بها البنك المركزي. 
- استمرار محاولة البنك المركزي بتفعيل العمل بأدوات السياسة النقدية  (( معدل  سعر الفائدة،  معدل الاحتياطي النقدي والمتاجرة بالأوراق المالية  )) ، حتى يكون البنك قادرا على تحريك هذه الأدوات بالاتجاه الذي يحفظ للاقتصاد الوطني توازنه ويحافظ على استقراره. 
- الرقابة على الإنفاق العام الداخلي والخارجي  لمؤسسات الدولة ونشرها بشفافية للرأي العام،  حتى يدرك المتلاعبين بالأموال العامة بأن هناك شفافية لنشر أعمالهم للرأي العام ليكون رقيبا عليهم بالإضافة إلى أجهزة الرقابة والمحاسبة الرسمية. 
- دراسة التطورات الاقتصادية بصورة مستمرة وتقديم النصح لمتخذي القرار بسبل مواجهة الانحرافات والتحديث والتطوير لآليات العمل الاقتصادي للدولة.

أ.د.محمد علي قحطان 
استاذ الاقتصاد / جامعة تعز 
6 سبتمبر  2024

مقالات الكاتب